خطأ اللسان أشد من جرح السِّنان

قال علماء اللغة إن أول ما اختل من كلام العرب وأحوجهم إلى التعلم «الإعراب»، وكان اللحن في الإعراب أظهر في كلام الموالي والمتعربين، حتى منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد روي أن رجلاً لحن بحضرته، فقال صلى الله عليه وسلم: «أرشدوا أخاكم فقد ضل». وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: «لأن أقرأ فأسقط أحب إلي من أن أقرا فألحن». ومر عمر بن الخطاب رضي الله عنه على قوم يسيئون الرمي، فأنَّبهم فقالوا: إنا قوم «متعلمين» فأعرض مغضبا وقال: والله لخطؤكم في لسانكم أشد علي من خطئكم في رميكم. وروي أن أحد ولاة عمر رضي الله عنه كتب إليه كتابا لحن فيه، فكتب إليه عمر أن «قنع كاتبك سوطاً».
وهكذا انتشر اللحن حتى عند الخاصة من الناس حتى صاروا يعدون من لا يلحن، ثم انتقل اللحن من الحاضرة إلى البادية. قال الجاحظ: «أول لحن سُمع في البادية هذه عصاتي» كل ذلك والدولة الأموية مازالت قائمة.
لهذا كله بادر علماء الدين والعربية في الصدر الإسلامي الأول إلى مواجهة هذا السيل الجارف من اللحن والخطأ، وذلك خوفا على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أولا ثم على اللغة العربية، وبادروا إلى جمع لغة العرب وتبويبها ووضع القواعد الناظمة لها، واصطلحوا على تمسية كل ذلك بـ«النحو».
قال ابن خلدون: فلما جاء الإسلام وانتشر العرب وفارقوا الحجاز لطلب الملك الذي كان في أيدي الأمم الأخرى وخالطوا العجم، تغيرت مَلَكة اللغة عندهم وفسدت سليقتهم بما ألقي إليها من المخالفات، وخشي أهل العلوم منهم أن تفسد تلك الملكة رأسا ويطول العهد بها فينغلق القرآن والحديث على المفهوم، فاستنبطوا من مجاري كلامهم قوانين مضطردة لتلك الملكة تشبه الكليات والقواعد يقيسون عليها سائر أنواع الكلام ويلحقون الأشباه بالأشباه مثل أن الفاعل مرفوع والمفعول منصوب والمبتدأ مرفوع، ثم رأوا تغير الدلالة بتغير حركات الكلمات فاصطلحوا على تسميته «إعراباً» وتسمية الموجب لذلك التغير «عاملاً» وأمثال ذلك، وصارت كلها اصطلاحات خاصة بهم فقيدوها بالكتاب وجعلوها صناعة مخصوصة لهم واصطلحوا على تسمية هذا العلم بـ«النحو».

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA