السياسة العامة ماهيتها وآثارها «الحلقة الثالثة»

في الحلقة الثانية من هذه السلسلة العلمية التي تدور حول السياسة العامة، كنا تحدثنا عن أن السياسة العامة وسيلة مهمة بيد الدولة أو الحكومة لإدارة المجتمع في مختلف المجالات، كذلك تطرقنا للفرق بين السياسة العامة «التوجه العام» والسياسات العامة «العمومية»، باعتبار الأخيرة تمثل الخطط التنفيذية للسياسة العامة، علاوة على دور القيم الاجتماعية في صياغة السياسة العامة، وتصنيف السياسات العامة.

وفي هذه الحلقة سنتطرق لطرق اقتراح مشروع السياسة العامة؛ بما أن السياسة العامة توجه حكومي واسع النطاق، فإن مضمونه يتمثل بكل ما يصدر عن الحكومة أو من يمثلها من أقوال وأفعال، وكل ما تتبناه وتصدره من تشريعات وقوانين وقرارات ولوائح وهياكل تنظيمية في شكل هيئات أو مؤسسات أو برامج أو مشاريع أو أي تدخلات أخرى، ونحو ذلك، وبما يساعد الحكومة على الوصول إلى غايات ذلك التوجه.

وقد يأتي مشروع السياسة العامة بطريقتين رئيستين: إما «من داخل الصندوق» أي بمبادرة من السلطة الحاكمة بهدف معالجة مشكلة أو تطوير مجال من المجالات الاقتصادية أو الاجتماعية، أو «من خارج الصندوق» أي بمبادرة شعبية كأن يتبنى حزب أو جماعة معينة قضية ما مثل جماعات حقوق الإنسان أو أنصار البيئة أو مؤسسات المجتمع المدني أو غيرها، ثم البدء بحشد رأي عام لدعمها والدفع بها إلى دائرة صنع القرار.

وهنا نود أن نشير إلى أن الحكومات قد لا تستجيب بالضرورة لأي مقترح شعبي لصنع سياسة عامة، حتى وإن كان لمواجهة مشكلة اجتماعية ملحة، فالاستجابة الحكومية لا تتم بطريقة فورية، وإنما يتم التعاطي مع أي مقترح من هذا النوع بطريقة حذرة وواعية ومدروسة ومحسوبة بشكل دقيق، لأن استجابة الحكومة لأي مشكلة يعني الاعتراف بها، واعتبارها ضمن أولوياتها، وإدراجها ضمن الأجندة الرسمية «جدول الأعمال»، ومن ثم طرحها للمداولة والنقاش على طاولة اجتماعات الحكومة أو الوزارة للتفكير في البدائل المختلفة لحلها بكفاءة.

وعادة لا ترحب الحكومات بمشاريع السياسة العامة القادمة بضغط شعبي، وقد تحاول أن تراوغ أو تناور في البداية، وربما قد تقبلها على مضض في نهاية المطاف، خوفًا من توسع دائرة الضغوط والاحتجاجات الشعبية، وتجاوز أهدافها.

أما لماذا تتأخر الحكومات أو تتلكأ في التعامل مع أي مقترح اجتماعي لسياسة عامة جديدة، فذلك لأن أي سياسة جديدة من وجهة نظر الحكومة سيترتب عليها مشروع أو منظمة معينة، وأي مشروع جديد يعد مركز تكلفة على الدولة، يتحتم عليها أن تتكفل بتدبير الموارد المالية والبشرية والتقنية اللازمة لتنفيذ السياسة الجديدة وصيانتها والعمل على ديمومتها. ويمكن أن نضرب مثلاً هنا، لو أن أبناء مقاطعة معينة في أي دولة ما رفعوا طلباً إلى الجهات الحكومية لإنشاء جامعة لأبنائها، فإن حاسة السمع لدى الحكومة في البداية ستكون ثقيلة ولن تستجيب بسهولة، وعلى افتراض أنها حاولت الاستجابة للطلب المرفوع وتم إدراجه على جدول الأعمال فإنها ستبدأ بطرح خيارات متعددة للسياسة العامة للتعامل مع الطلب «المشكلة» ومناقشتها وفق منهجية التكلفة والعائد من الناحية المادية والمعنوية لتختار إحدى تلك البدائل «الحلول» المطروحة، ومنها: «1» قبول إنشاء الجامعة المطلوبة مهما كانت التكلفة، أو «2» رفض إنشاء الجامعة لأن التكلفة باهظة جداً ولا عائد يبرر تكلفتها، أو «3» توفير وسائل مواصلات للطلاب والطالبات للالتحاق بجامعة حكومية في المقاطعة المجاورة، أو «4» منح الطلاب والطالبات مبالغ مالية محددة لتأهيل أنفسهم في أي جامعة حكومية أو أهلية، أو «5» تطوير برنامج للإيفاد الداخلي والخارجي لتأهيل طلاب وطالبات المقاطعة، وغيرها من الخيارات. 

د. عبدالملك المخلافي

قسم الإدارة العامة - كلية إدارة الأعمال

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA