آفاق أكاديمية

إعلامنا في مواجهة العولمة الزاحفة

لم يعد الإعلام في عصرنا الحاضر مجرد وسيلة للتواصل أو نشر الأخبار والأحداث والفعاليات، بل أصبح بالإضافة لما سبق، انعكاساً للثقافة، فالقائم بالاتصال في تناوله للأحداث والقضايا والوقائع، لا ينفك عن تأطيرها بمرجعيته الثقافية بوعي أو بدون وعي.

والساحة الإعلامية - من وجهة نظري - ليست فراغاً وليست محايدة بشكل مطلق، بل تزدحم بالرؤى الثقافية التي تتصارع بشكل خفي وأحياناً علني، وبات الإعلام أداة فعالة للهيمنة الثقافية، بحيث أن البقاء لم يعد للأقوى مادياً أو مهنياً أو ثقافياً وحسب، بل إعلامياً كذلك.

وسائل الإعلام القوية من صحف ومجلات وقنوات إذاعية أو تلفزيونية، لا تقدم المادة الخبرية أو الصحفية بمعزل عن الرؤى أو المرجعيات الثقافية للقائمين عليها، ومهما كان القائم بالاتصال محايداً ومهنياً ومحترفاً، فلا بد من تأثير مرجعيته الثقافية على أدائه واحترافيته بنسبة أو بأخرى.

النظام العالمي الجديد يقوم على الهيمنة الثقافية باستخدام السياسة والاقتصاد ووسائل الاتصال الحديثة، والهيمنة الثقافية التي اصطلح على تسميتها بـ«العولمة الزاحفة» تسعى لتذويب الخصوصيات الثقافية المحلية والهويات المستقلة بما تحمله من قيم اجتماعية ودينية وأخلاقية وإدخالها في فلك الثقافة العالمية عبر ذراعها الأقوى، وسائل الاتصال، ليصبح العالم واحدًا، وتهيمن الثقافة الجديدة المدعومة بإعلام قوي يمس كل مستويات الواقع الاجتماعي والثقافي.

مع اتساع نطاق إنشاء محطات إعلامية فضائية، عابرة للحدود، والتوسع في إنتاج برامج الحاسوب المعلوماتية والثقافية وتسويقها بالإنجليزية، ابتداءً، ثم بلغات أهل الأرض كافة تالياً، أصبح النظام السمعي-البصري والمعلوماتي هو النظام الوظيفي الأساس لاستراتيجيات السيطرة الثقافية وعلى العالم.

ولقد زاد من قدرة هذا النظام على ممارسة مستويات عالية من التأثير في الجمهور الذي يخاطبه، بالمادة الثقافية المرسلة، أن اقتناء أجهزته من أدوات استقبال بث أو من حواسيب تنطلق منها آلاف المواقع وآلاف شبكات التواصل الاجتماعي وباتت متاحة لشرائح واسعة من المجتمعات، «وهكذا دخلت ثقافة العولمة إلى عقر كل دار في العالم عن طريق الوسائط الجديدة، وبات في وسعها أن تجد فائضاً من حاجتها إلى مستهلكين تتزايد أعدادهم كل يوم، وخاصةً من فئات الأطفال والمراهقين والشباب».
 

وحتى لا نقضي عمرنا نلعن ظلام الزحف الثقافي الغربي على أمتنا العربية.. علينا أن نوقد شمعة المبادرة في خوض غمار العطاء الثقافي الأصيل، فالدول والأمم والشعوب ذات الحضارة والخصوصية في دول العالم النامي، كحال الدول العربية والإسلامية وفي مقدمتها مملكتنا الحبيية، مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى لمواجهة الهيمنة الثقافية للعولمة الزاحفة ومعالجتها بنفس أدواتها، بحيث يصبح لدينا إعلام احترافي ومهني، وبرامج إعلامية ذات محتوى عربي وإسلامي موجهة عبر القنوات والإذاعات والصحف وبرامج التواصل، وأن ننتقل من موقع المستهلك البليد إلى موقع المشارك بفعالية عبر عطاءاته الجادة في كل مجالات الحياة الثقافية..
 

د. عادل المكينزي
makinzyadel@ksu.edu.sa

 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA