ملامح الجودة في الأوراق البحثية

هناك قدر كبير من الشخصنة – أي الحكم من منطلق شخصي - عند تمييز الورقة البحثية الجيدة عن غير الجيدة، ولكن هناك أيضًا بعض الخصائص الأساسية الموضوعية التي تميز الورقة البحثية الجيدة عن غيرها.

ففي جميع الأوراق البحثية، هناك حاجة إلى بناء هيكل الورقة، بحيث ينساب النقاش من قسم إلى آخر، ويجب استخدام اللغة العربية الواضحة والرصينة، واستخدام علامات الترقيم دون إفراط أو تفريط، كما يجب تجنب المصطلحات الغامضة أو المتخصصة التي قد لا يفهمها الجمهور المستهدف. 

والورقة البحثية الجيدة هي التي تنتقل من العام إلى الخاص، فتبدأ بطرح إطار البحث ثم تنتقل إلى بيان المشكلة قيد البحث ثم تتناول الجوانب التجريبية أو التحليلية للعمل، وتنتهي بعرض المناقشة ووضع الاستنتاجات والإجابة على الأسئلة البحثية التي تم طرحها.

يجب أن يكون هناك طرح واضح للمشكلة التي تسعى الورقة إلى حلها أو مناقشتها، وذلك في أول أقسام الورقة، فهي إن كانت أمرًا واضحًا أو بديهيًا بالنسبة للباحث، إلا أن من يطلع على البحث - ممن ليس له سابق معرفة بموضوعه- ليس لديه هذا الوضوح، ومن ثم يحتاج إلى هذا الطرح.

كما أن أي بحث جاد ينبغي أن يتضمن مفاهيم خاصة بالموضوع قيد البحث أو بالمنهجية المتبعة في إجرائه، وهي مفاهيم ينبغي إيضاحها باختصار، فالورقة البحثية ليست مكانًا لنوع الشروح الموجود في المقررات التعليمية، ومع ذلك، فإذا لم تكن شائعة في مجال الجمهور المستهدف من الورقة البحثية، فلا حرج من أن  يقوم الباحث بإرفاقها ببعض التفصيل.

وينبغي أن يظهر في الورقة البحثية بوضوح كيف أنها تبني على ما سبقها من أعمال، وكيف تبني اتصالات صريحة بهيكل المعرفة أو النظرية المستقرة في مجال البحث، وذلك لإيضاح أساس العمل، وتأكيد أنه لا يقوم بمجرد بإعادة اختراع النظريات والنماذج المعروفة، وفي هذا السياق فإن الورقة البحثية الجيدة تبدأ بما هو معروف ومشهور ثم تنساب بصورة تدريجية إلى ما هو أعمق وأقل شهرة.

والتساؤل الذي ينبغي أن يطرحه الباحث على نفسه في هذا السياق هو: ما هي الفئة العامة للمشكلة التي يمثل الموضوع قيد البحث أنموذجًا محددًا منها؟ فإن فهم الإجابة على هذا التساؤل يتيح إدراك مدى إمكانية تعميم نتائج البحث في سياق أوسع.  

وفيما يخص الإطار التحليلي، فكل الأوراق البحثية لديها مثل هذا الإطار، ولكنه في الغالب لا يحظى بالوضوح اللازم، فالحكم على مدى موثوقية المنهجية المتبعة يعتمد على «من أين أتت؟»، لذا فينبغي أن يتضمن وصف الإطار التحليلي مزيدًا من الإشارة إلى أدبيات البحث التي اتبعت نفس المنهجية، فهذا يزيد من مصداقية ورقة البحث من خلال إظهار كيف كانت المنهجية المتبعة ذات فائدة للأبحاث السابقة.

وينبغي أن يكون واضحًا في هذا السياق ما إذا كانت الورقة البحثية هي تنقيح لإحدى القضايا، أم أنها دراسة حالة، أم هي مساهمة في تطوير نظرية من النظريات أو غير ذلك؛ فبدون ذلك لا يمكن لقارئها إدراك مدى مساهمتها المعرفية، فالورقة التي لا تضيف إلى عموم المعرفة شيئًا لا يمكن اعتبارها ورقة بحثية.

 

د. جبريل بن حسن العريشي

أستاذ علم المعلومات

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA