السياسة العامة ماهيتها وآثارها «الحلقة الرابعة»

 

 

في الحلقة الثالثة من هذه السلسلة العلمية التي تدور حلقاتها حول ماهية وآثار السياسة العامة، كنا تحدثنا عن الطرق المعروفة لاقتراح مشروع السياسة العامة سواء من داخل الصندوق «الحكومة» أي بمبادرة من السلطة السياسية للتعامل مع مشكلة معينة، أو من خارج الصندوق «المجتمع» أي تقدم فئات معينة في المجتمع بمبادرة أو مشروع لسياسة عامة بهدف معالجة أي مشكلة مجتمعية.

كذلك تحدثنا عن كيفية استجابة الحكومات لأي مقترح شعبي لصنع سياسة عامة وإدراجه ضمن أجندتها الرسمية «جدول أعمال الوزارة أو الحكومة» وأن ذلك لا يتم بصورة سريعة، وإنما بصورة متأنية وإخضاعها لعملية حسابات دقيقة لمعرفة ما سيترتب على السياسة الجديدة من أعباء وتكاليف من حيث الموارد المالية والبشرية والتقنية لتنفيذها وصيانتها والعمل على ديمومتها بكل ما يتصل بها من مشاريع وهياكل وتنظيمية.

في هذه الحلقة نستكمل الحديث حول عقلانية وخطورة صياغة السياسة العامة، من كونها ليست عملية اعتباطية أو قرارًا يمكن اتخاذه في عجالة من الأمر؛ بل هي عملية على درجة بالغة من الخطورة، وقد تقود إلى سلسلة طويلة ومتشابكة من الآثار والتداعيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المختلفة في بنية وحياة المجتمع وسلوكياته وعلاقاته الداخلية والخارجية.

لذلك هناك عملية مهمة لابد أن تخضع لها أي سياسة جديدة قبل إصدارها وتطبيقها، وأحيانًا بعد تطبيقها، وهي ما يعرف بـ«تحليل وتقييم السياسة العامة»، أي تشريحها وتفكيكها إلى عناصرها ومكوناتها الأساسية، والتأمل فيها بعمق وروية للتعرف على آثارها القريبة والبعيدة، المباشرة وغير المباشرة، الملموسة وغير الملموسة، وفي كافة جوانب الحياة الاجتماعية، وبخاصة الآثار والانعكاسات السلبية والأعباء الاجتماعية والاقتصادية المترتبة، ثم التفكير بالإجراءات الكفيلة الممكن اتخاذها للتقليل من نتائجها السلبية.

بمعنى آخر: يجب قبل أن تفكر الدولة «الحكومة» بطرح أي سياسة جديدة أن تدرس آثارها السلبية والإيجابية من كافة النواحي، وتعرف بدقة الفئات الاجتماعية والاقتصادية المستفيدة، والفئات الأخرى التي قد يطالها الضرر جراء تطبيق السياسة الجديدة، والاستماع إلى وجهات النظر المختلفة للأطراف ذات العلاقة ببرنامج السياسة العامة المقترح.

وهذا ما يحدث في الحكومات والمجتمعات الديمقراطية، حيث تتاح الفرصة للفئات الاجتماعية، والأحزاب السياسية والنقابات العمالية وجماعات المصالح والضغط وغيرها لإبداء الرأي بكل وضوح نحو ما تنوي الحكومة طرحه من سياسات عامة، وقد تنشأ حالة من الانقسام والجدل والنقاش مما يسهم في إثراء وتبصير الحكومة بالعواقب المترتبة على مشروع السياسة المقترحة.

في الختام نود التأكيد على أن السياسة العامة هي أداة الدولة «الحكومة» للسيطرة وتوجيه سلوكيات أفراد المجتمع، وإحلال القيم الإيجابية، والتعامل مع المشكلات الاجتماعية بنجاعة، وأي سياسة جديدة لابد أن تخضع لدراسة متأنية وعميقة، للتعرف على آثارها المحتملة على مختلف شرائح المجتمع، كما لابد وأن تقوم على قاعدة توازن المصالح وتوزيع الأعباء بعدالة على الجميع، لأن عدم توخي ذلك قد يولد مشكلات وآثاراً اجتماعية واقتصادية وسياسية وأمنية غير مرغوبة، تتطلب لمواجهتها وتطويقها موارد وجهوداً مضنية.

في الحلقة القادمة سوف نستكمل هذه السلسلة بالتطرق للآثار والانعكاسات المختلفة التي تنجم عن أي سياسة عامة جديدة، وسوف نقدم مثالاً لسياسة عامة تم اتخاذها وترتب عليها العديد من الآثار المتعددة على كافة القطاعات والأطراف ذات العلاقة في المجتمع، والفئات الاجتماعية التي استفادت، والأخرى التي تضررت منها، وكيف يمكن للحكومة مساعدة الفئات المتضررة جراء ذلك.

د. عبد الملك المخلافي

قسم الإدارة العامة - كلية إدارة الأعمال

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA