ابتسم للشاحنة وامضِ في طريقك!

 

 

 

الإنسان العاقل هو الذي يزن الأمور بميزان الحكمة حتى يرى أن كل حدث أو استفزاز لا يستحق أن يجعل منه معركة يدخلها من أجل الانتصار فيها؛ فخوض مثل تلك المعارك هي الهزيمة بعينها، بل الأسلم والأحكم، عدم التفكير في خوضها من البداية، لا لشيء إلا لتفاهتها أو تفاهة أصحابها الذين يوقعون كثيراً من الناس في معاركهم العابرة والتي قد تكون كلفتها باهظة.

يقول سائح: ركبتُ سيارة أجرة ذات يوم متجهاً إلى المطار، وبينما السائق ملتزم بالمسار الصحيح، إذ قفزت أمامنا سيارة بشكل مباغت، ضغط السائق الذي أركب معه على المكابح بقوة؛ فانزلقت السيارة بشكل مخيف إلى أن توقفت على بعد خطوة من السيارة الأخرى.

ورغم خطئه أدار سائق السيارة الأخرى رأسه نحونا، وانهال علينا بالصراخ والشتائم! فما كان من سائقي إلا أن تبسم، ولوح له بيديه معتذراً ومضى في طريقه!

استغربتُ من فعله وقلت له: لماذا تبتسمُ له وتعتذر؟ لقد كاد أن يقتلنا! هنا لقنني سائقي درساً لن أنساه ما حييتُ أسميته فيما بعد «درس الشاحنة»! فقد قال: كثير من الناس مثل الشاحنة الكبيرة تدور في الأرجاء محملة بأكوام الإحباط، وعندما يتراكم الإحباط، والخذلان والهم في داخلهم يفرغونها في أول مكان سانح!

وأضاف قائلاً: لا تأخذ الأمور بشكل شخصي أبداً، كل ما في الأمر أنك مررتَ لحظة إفراغها! فقط ابتسم ولوّح لهم، وتمنى أن يصبحوا بخير، ثم امضِ في طريقك، واحذر أن تأخذ نفاياتهم معك، لتلقيها على غيرك، دع هذه النفايات تقف عندك، كل إنسان فيه ما يكفيه.

تذكر – عزيزي – أن بعض البشر ليسوا بحاجة أصلاً إلى سبب وجيه لإقناعك أنهم على حق في خصامهم لك، إنهم يخاصمون – فقط - للخصام، هكذا يشتهون! مثلهم مثل ذلك الثعلب الذي وقف في أعلى النهر، وقال للخروف أسفل منه: أنت تلوث ماء شربي. فقال له الخروف: لكن الماء يجري من أعلى إلى أسفل، وأنت تشرب قبلي!

فقال له: ألستَ من شتمني العام الماضي؟. فقال له الخروف: يا سيدي، أنا ابن ستة أشهر، فقال له: إذاً أبوك هو الذي شتمني! فقال له الخروف: ولدتُ يتيماً، ولا أعرف أبي، فانقض عليه الثعلب وقال له: إذاً لعل الذي شتمني كان جدّك!

كفانا الله وإياكم – أعزائي الكرام – شر الثعالب البشرية التي تجوب أرجاء المعمورة، تنهش هنا وهناك، ولا تبالي بالآخرين، لأنها مستسلمة لغريزتها الحيوانية، ومنقادة للشر المستعر فيها، فحذار حذار أن تكون ضحيتها في أي موقف عابر تصب عليك قذاراتها فتغضب، وتدخل في معركة خاسرة معها، تسلح بابتسامة ترسمها في وجهك، وبتلويحة سلام من يدك، ودع الشاحنة تمر، وامض أنت في طريقك!

ومضة: لا تحرص دائماً أن تكون أنت المنتصر في كل المعارك، فلا بأس من خسارة موقف، من أجل كسب إنسان!

فهد عبدالقادر الهتار

خريج دكتوراه – كلية التربية

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA