تنمية إبداع المتفوقين والموهوبين في الرياضيات

تنادي العديد من الآراء في حاضرنا المعاصر إلى جعل الإبداع نمط حياة وسمة شخصية وطريقة لإدراك العالم، فالحياة الإبداعية هي تطوير لمواهب الفرد واستخدام لقدراته، وهذا يعني استنباط أفكار جديدة وتطوير حساسيته لمشاكل الآخرين ومشكلات مجتمعة الاجتماعية والاقتصادية والتنموية.

يرى بعض الباحثين أن قيمة العمل الإبداعي تكمن في قيمته بالنسبة للمبدع، ويرى آخرون أنه لا يستدل على الإبداع من خلال الأعمال الملموسة فحسب وإنما ينبغي الكشف عن القدرات الإبداعية عند الأفراد وخاصة المتفوقين منهم، فالإبداع هو موهبة يمكن استثمارها في إحداث تغيير قوي ومفيد في حل أقوى المشكلات من خلال هذه الفئة.

وقد وضع رودز «rodes» شعاراً يجمع بين أربع منـاح مختـلفة للإبداع «Four Ps of Creativity» ويقصد بها «Process, Product, Person, Press»: الأولى: ركزت على العملية الإبداعية Process واهتمت بالكيفية التي يمر بها أو التي بها يبدع المبدع عمله، الثانية: ركزت على الإنتاج الإبداعي Produet والتي تؤكد على أن الإبداع هو ظهور إنتاج جديد نابع من التفاعل بين الفرد ومادة الخبرة، الثالثة: ركزت على السمات الشخصية للمبدعين «Person» وتهتم بنمط العقول التي تبحث وتركب وتؤلف، أما الرابعة فركزت على العوامل والظروف البيئية «Press» والتي تساعد على نمـو الإبـداع.

غير أنه يجب النظر إلى الإبداع ككل متكامل تتحد أجزاؤه والتي تتمثل في القدرة العالية لدى المبدع ثم في العملية الإبداعية والإنتاج الإبداعي كمظهر يعبر عنهما والذي يتوفر فيه الطلاقة والأصالة، والمرونة، واستشفاف المشكلات، ومواصلة الاتجاه، وتأتي السمات الشخصية للمبدعين ثم العوامل والظروف البيئية التي يجب توافرها لتساعد على نمو هذا الإبداع الذي له قيمته بالنسبة للمبدع وللجماعة التى يوجد فيها.

هنا تبرز الرياضيات من بين المناهج الوسيطة لتنمية إبداع المتعلم، لما لها من طبيعة تساعد على تنمية الإبداع، وذلك لأن الرياضيات بمضمونها تعتمد على إدراك العلاقات للوصول إلى النتائج والنظريات وغيرها من الإبداعات، وجوهر الإبداع هو إدراك علاقات جديدة تؤدي إلى حلول متنوعة للمشكلات الرياضية، ولهذا بدأ التربويون الرياضيون في اعتبار أن تنمية الإبداع هدف أساسي من أهداف تعليم الرياضيات، وبالتالي توجهت الممارسات إلى توظيف الرياضيات من أجل تنمية إبداع المتعلم.

ورغم أن الرياضيات ينظر إليها على أنها من العلوم الطبيعية ذات الطبيعة التجريبية في تراكيبها المعرفية إلا أنه، ومن ذلك المنظور الأكاديمى لها تعتبر مادة دراسية يسعى الطلاب من خلالها إلى الاستمتاع بحل المشكلات الرياضية المتضمنة واكتساب القيم الجمالية المتضمنة في تراكيبها المعرفية من أنماط وعلاقات رياضية، وبالتالي تعد الرياضيات بطبيعتها مجالاً مفتوحاً للأنشطة الإثرائية المتنوعة والهادفة لتنمية الإبداع لدى المتفوق والموهوب، الأمر الذي يؤدي إلى تحقيق الأهداف المرجوة من تدريس الرياضيات.

كما أدت التطورات الحادثة في الرياضيات وطبيعتها التطبيقية إلى ظهور عدة اتجاهات في تعليم الرياضيات كان منها تعليم الرياضيات من أجل تنمية الإبداع لإيجاد أكثر من حل للمشكلة الواحدة، وذلك لانتقاء الحل المناسب لظروف وإمكانات كل موقف، وهذا ما أدى إلى اعتبارها مادة دراسية تساعد على الإبداع من خلال بنيتها المعرفية وتطورها المستمر وطبيعتها التركيبية وتميزها من بين المواد الأخرى وفروع المعرفة الأخرى وبنيتها الاستنباطية الاستدلالية وقوانينها وتشعبها داخل جميع مجالات المعرفة، وإمكانية تنظيم محتواها وإدخال أنشطة إثرائية بها.

كل هذا يؤكد على الطبيعة الفريدة لمادة الرياضيات كمادة تساعد على الإبداع، وليس غريبًا أن أهم أهداف تدريسها، إكساب الطلاب المتفوقين والموهوبين أساليب تفكير سليمة وتنمية قدرتهم على الإبداع.

يعرف الإبداع في الرياضيات على أنه قدرة الطالب الفائق على إيجاد حلول للمشكلات الرياضية تتسم بالطلاقة الرياضية، ويقصد بها القدرة على إنتاج أكبر عدد ممكن من الحلول للمشكلة الرياضية، وبالمرونة الرياضية ويقصد بها القدرة على إنتاج أكبر عدد من الحلول المتنوعة للمشكلة الرياضية، وبالأصالة الرياضية ويقصد بها القدرة على إنتاج حلول جديدة وغريبة وغير شائعة للمشكلة الرياضية.

كما تتسم تلك الحلوا بإدراك التفاصيل الرياضية، أي القدرة على استخدام تفاصيل المشكلة الرياضية ودقة التعامل معها وتنوع رؤيتها، وببناء التعميمات الرياضية ويقصد بها القدرة على استخدام الحالات الرياضية الخاصة في بناء التعميمات، إضافة لبناء الأنماط والتراكيب الرياضية واكتشاف المغالطات الرياضية وتصحيحها واستنتاج وتفسير أسبابها وتصويبها، وتتميز كذلك بالحساسية والقدرة على رؤية المشكلات الرياضية بصورة تختلف عما يراها الآخرون ورؤية جوانب النقص فيها، وتوظيف مهارات الحساب الذهني والحس التقريبي.

ولكي ننمي الإبداع في الرياضيات لدى الطالب المتفوق والموهوب يجب علينا تنمية قدرته في هذه الأبعاد الثمانية وتذليل العقبات أمامه ليخرج لنا بعدها بمنتج إبداعي متميز ليس في الرياضيات فقط، ولكن في جميع مناحي حياتنا وبحلول إبداعية لمشكلاته هو، ثم لمشكلات أسرته ومجتمعه ودولته حتى يكون لبنة في عجلة التطوير والتنمية. 

د. هشام عبدالغفار 

أستاذ المناهج وطرق تدريس الرياضيات المساعد

منسق برنامج المتفوقين والموهوبين بالأولى المشتركة 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA