كن صديقًا لنفسك

أن تكون صديقاً لنفسك، قد تكون فكرة غريبة وقد تتصف بالجنون، ولكن في الواقع نحن نميل إلى عدم معاملة أنفسنا بذات المجاملات الاجتماعية والأدب الذي نتعامل به مع الأشخاص المحيطين بنا، حيث نكون أكثر وعيًا لما نقول وأكثر لطافة وانتقاءً للكلمات وانتظاراً للوقت المناسب لقولها، والبحث عن أرق العبارات لصياغتها.

ولكن عندما يتعامل أحدنا مع نفسه فإن نظرة العتب واللوم الرادعة في وجوه الآخرين تختفي، فلا توجد قيود لمدى حسن أو سوء تلك المعاملة الذاتية، وهنا تظهر مدى صعوبة ترويض الذات.

ما مدى قساوتنا عند التعامل مع أنفسنا؟ كم عدد الكلمات الجارحة التي تتردد على مسامعنا؟

في الصداقات نميل دائمًا للنظر إلى الجانب الأفضل، عندما يشتكي صديق لنا من فشله، فإن خبراتنا الاجتماعية تدفع بنا للبحث عن طريقة لمواساته بالثناء عليه أو تذكيره بنجاحاته وكيف أن الفشل لا يعني دائمًا السقوط، فنجد له من ضيقه مخرجًا، ونسعى لإقناعه بأن كل عقبة تدلنا بطريقة أو بأخرى إلى منفعة، ونميل إلى إيجاد النور بعتمة الظلام.

عند التعامل مع صديق لا ندع مجالًا لفكرة التخلي أو أنه شخص لا جدوى منه، عندما يذكر الأصدقاء تجاربهم السيئة أو تتضح لنا عيوبهم نميل لتقبلها لأنهم بشر، والبشر خطاؤون ولا يوجد من هو كامل، ولا نرى بصيصاً لخيبة الأمل.

قد تكون في الواقع «صديقاً رائعاً» لعابر طريق غريب لا تعرف عنه شيئاً من أن تكون صديقًا لنفسك، فلماذا لا نستخدم ذات الاستراتيجية في مواساة أنفسنا، هل لأن فكرة الكمالية مزروعة بالطريقة الخطأ! هل هو ضغط اجتماعي أم داخلي؟

الإنسان لا يعدم طريقة لملاطفة الآخرين ومجاملتهم وكسب ودهم، فهو مدرك لمدى الأذى الذي قد توقعه الكلمات، ولديه مهارات لتمييز حالة الشخص المقابل له إن كان في مزاج جيد أم لا، ويستطيع ملامسة مشاعر الآخرين والعطف عليهم. لكنه لم يقم بعد بتوجيه تلك الطاقة لذاته.

أرواحنا ذبلت لأننا لم نتعلم معنى مصاحبة الروح، عندما تنظر لنفسك في المرآة، عندما تسخط أو تغضب أو تنتقد مزاجك المتعكر دائمًا أو غضبك المتكرر، أو معالم جسدك، أو ملامحك التي تعطيك هويتك، هل ستتجرأ لقول مثل هذه العبارات لصديق! 

ما هو وطء تلك الكلمات الصادرة منك إليك، الصادرة من أكثر شخص يعلم خفايا نفسك وعيوبها وتعليلاتها والجزء الحقيقي والكامل لواقعها.

ألا تعلم أن الروح كالطفل الصغير، هشة، حالمة، تتأثر بالكلام الإيجابي والتحفيز، ويمكن إقناعها بسهولة!

ألا تعلم أن من حق روحك عليك أن تعطيها مجالا للتبرير، للتحسن، للطموح، وأن تثق بها وتزرع فيها الأمل!

لا تكن مصدراً لكسر نفسك، بل تعامل مع نفسك بلطف، ربت على ظهرك من حين لحين، اثنِ عليها، تحدث إليها بإعجاب وانبهار، ادفعها للأحسن، كن صديقك، ورفقًا بأرواحنا فإن القلوب إذا كلت عميت.

رفاء مطلق الذيابي

كلية الحقوق والعلوم السياسية

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA