«محركات البحث» أيقونة الفضاء السيبراني

تظل محركات البحث هي أيقونة شبكة الإنترنت مهما تعددت التقنيات الرقمية وتعقدت، ذلك أن استخدام شبكة الإنترنت يتزايد بصورة هائلة بعد أن أصبحت قبلة كل من يبحث عن المعلومات أيًا كان شكلها، حتى إنها لتسمى الآن الفضاء السيبراني، فهي تتضمن ملايين المواقع عن كل شيء: الأخبار والتجارة الإلكترونية والاستشارات الطبية، والعقارات والأبحاث العلمية والألعاب.. الخ.

وأصبحت محركات البحث – مثل محرك بحث جوجل الشهير- الأداة الرئيسة للوصول إلى أي معلومة في هذا الفضاء السيبراني الهائل الذي يتمدد يوما بعد يوم، فمن خلال صفحاتها المخصصة للبحث يقوم الزائر بإدخال الكلمة أو الكلمات التي تعبر عن الموضوعات قيد البحث، فيقوم محرك البحث بإظهار صفحة بنتائج البحث تتضمن قائمة بالمواقع ذات العلاقة بتلك الكلمات.

وهذا البحث لا يتم في مواقع الإنترنت مباشرة، ولكنه يتم في خوادم محرك البحث نفسها، ذات السعة الهائلة والسرعة الفائقة، والتي تجمع بداخلها المحتوى النصي لجميع مواقع الإنترنت، إذ يقوم محرك البحث بزيارة تلك المواقع بصورة دورية باستخدام برمجيات تسمى الزواحف «crawlers»، ونسخ المحتوى النصي الموجود في صفحاتها وتخزينه في خوادمه، ثم بناء فهرس لها يمكّن من استخراج نتائج البحث في أجزاء معدودة من الثانية.

ويحتاج تخزين هذا الفهرس إلى آلاف الخوادم الموزعة في أنحاء العالم، ويقوم محرك البحث بتحديث هذا الفهرس بصورة دورية، حيث تظل الزواحف الخاصة به تجوب مواقع الإنترنت جيئة وذهابًا، فجوجل على سبيل المثال يقوم بتحديثه بمعدل مرة كل 36 يوماً، وتستمر عملية التحديث لمدة تتراوح ما بين 3 إلى 5 أيام، يتم خلالها تحديث الفهرس، وتحديث صفحات المواقع المخبأة، وحذف المواقع المتوقفة والروابط الميتة «Dead links» وإعادة ترتيب المواقع مرة أخرى، فنرى مواقع قد انخفض ترتيبها في قائمة نتائج البحث ومواقع أخرى قد ارتفع ترتيبها.

ونظرًا لكثرة عدد الخوادم التي تحتضن الفهرس وانتشارها على مستوى العالم، فإن هذا التحديث لا يتم على كافة الخوادم في نفس الوقت واللحظة، بل يحتاج لفترة زمنية تمتد لعدة أيام، تظهر خلالها حالة من عدم الاستقرار بين الخوادم، فمنها ما يظهر نتائج بحث كثيرة ومنها ما يظهر نتائج بحث قليلة، حتى إنه يطلق عليها بالنسبة لمحرك البحث جوجل «رقصة جوجل» 

وعندما يقوم شخص بإجراء عملية بحث، فإن محرك البحث يقوم بتمشيط الفهرس واسترجاع عناوين وملخصات الصفحات ذات الصلة بكلمة البحث، ثم ترتيبها على حسب درجة ارتباطها بها. 

ويكون التنافس بين محركات البحث في تطوير خوارزمات معقدة ومتقدمة تقوم بتنفيذ أنواع ذكية من البحث تمكن من الوصول إلى الصفحات المقصودة بدقة عالية، وتقوم في نفس الوقت بوضع نتائج البحث في أفضل ترتيب، وأفضل ترتيب هو ذلك الذي يتضمن الصفحات التي يسعى المستخدم للوصول إليها على رأس قائمة نتائج البحث.

ولقد أضاف استخدام الهواتف الذكية والأجهزة النقالة في عمليات البحث بعدًا جديدًا يزيد من دقتها، وذلك بعد أن أصبحت البيانات الشخصية التي يتم اقتناصها منها تستخدم بواسطة محركات البحث لشخصنة عمليات البحث، أي لجعلها أكثر تعلقًا بشخص الباحث.

لقد أصبحت محركات البحث بالفعل تشكل حجر الزاوية في استخدامات الفضاء السيبراني، حتى إنه لا يمكننا أن نتخيله اليوم بدون وجودها، إذ لولاها لكانت محاولة الوصول إلى أي معلومة في تريليونات الصفحات الرقمية الموجودة فيه مماثلة لمحاولة الوصول إلى إبرة في كومة هائلة من القش.

أ. د. جبريل بن حسن العريشي

أستاذ علم المعلومات

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA