مؤتمرات الاستعداد للمستقبل ضرورة أم رفاهية؟

المستقبل كلمة محفزة وساحرة تملؤك بالشغف والخوف والترقب، يناضل المتطلعون للسيادة في الوصول لسُدته ويحاولون جاهدين في اكتساب مساحة مستحقة في ساحته؛ ولذا عندما تبحث في أروقة المعرفة ومنصاتها يهولك حجم المنادين للحاق به، ومخترعي المهارات اللازمة لعالمه، والذين بنوا آمالهم على أن يحقق احتياجاتهم ويساهم في حل إشكالات ما يمرون به في حاضرهم من إشكالات التعلم والتعليم والأداء والإتقان.

من الدراسات التي بحثت في مجال التعلم ومستقبله دراسة أمريكية أجريت على نطاق واسع شملت 89 دولة كانت العينة قرابة 2846 توصلت إلى أن تطور مستقبل التعليم يتطلب ضرورة تبني الفكر الإبداعي، وحب الاستطلاع والمعرفة والمرونة الفائقة، مستندة إلى نتائج استلزمها ذلك النداء، ألا وهي أن المدارس تتجه لمجرد «رقمنة» عملية التعليم التقليدي، بدلاً من النظر إلى فاعلية التعليم بحد ذاته.

ومن ثم تخلق هذه المنظومة غالباً طلاباً اتكاليين، يعتمدون على مدرسيهم والنظام المدرسي لاكتساب مهارات جديدة، لذلك نجد هذه النظم التعليمية لا تصقل مهارات التعلم والبناء الذاتي، ولا تعزز تعطش الطلاب لاستقاء المعرفة، وقدرتهم على التفاعل البنّاء مع العملية التعليمية.

وقد هبت منظمة اليونسكو باحثة منذ التسعينات في تقرير لها جميل يدعو من خلاله لمهارات تردم تلك الفجوة المتوقعة التي من أبرز عوامل بزوغها عملية «الرقمنة»، تلك المهارات يستلهم منها الطالب والطالبة اللذان يُراهن عليهما في الأيام المقبلة أن يكونا قادة المستقبل ومن يُترجم ما تحمله الدول من رؤى وما تسعى إليه من أهداف؛ لذا نجدها تذكر في كنزها المكنون مجموعة من التوصيات في مجملها نداء لكل من سلب المستقبل لبه وشمر ساعديه نحوه أنك إن أردت أن تدلف للمستقبل وتنهل من معينه عليك أن تتعلم لتعرف ولن تتم المعرفة إلا بالفهم والاستيعاب والاستثمار لها ولمواردها بامتلاكك الشغف، وشحذك لهمتك وتطويرك لقدرات التحصيل والتعلم.

وعليك أن تتعلم لتكون من خلال معرفة قدراتك وتقدير ذاتك وبناء مستقبلك وفق أمل أمتك ونور إرادتك، وتتعلم لتتعايش بإتقانك لمهارات الاتصال والتفاوض فتعيش متوازنًا تنهل من ضالة الحكمة في ثقافات الإنسانية لتكون إنسانًا قدوة، وتتعلم لتعمل بالبحث عن جديد المهارات والمتطلبات، وتوسيع ما لديك من ملكات تؤهلك لمستقبلك الجميل.

لم يقف القطار المتجه للمستقبل عند ذلك فقد ركبه المستهدفون من المخرجات الحاضنون الحقيقيون للمنتج، وهم القطاع الخاص فدفع بما يريد لنُعد له ما يعينه على التميز، ويؤكد لديه استحقاق العنصر البشري الوطني لما يملكه من فرص؛ فأعلن داعيًا أنا أريد مخرجًا يمتلك مهارات حل المشكلات، والتفكير النقدي، والإبداع، والتعاون، والذكاء الوجداني، فهي ركائزي للسيادة والريادة ولتحقيق الرؤية والطموح.

لذا أعلن المسؤولون من سُدة المسؤولية في وطن الحزم والعزم لتحقيق رؤيتنا الوطنية حاضر المستقبل في مؤتمر عطرت انطلاقه وجمّلت تحليقه لتحقيق أهدافه رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - أعلنوا بأن مهارات المستقبل هدفنا القادم في مجالي التنمية والتقويم، كمطلب وحاجة وتطلع لرسم خارطة التعلم لتكون في فلكه، ولنا فيمن سبقنا من أممه قدوة وبأكاديميينا من أبناء هذا الوطن أمل وجميل ظن.

لذلك ومن هذا المنبر فإنني أرى أن مثل هذه المؤتمرات ضرورة لا رفاهية، ويجب أن يُجلجل صوتها، وتستثمر ورشها وتوصياتها ونتائجها في التأطير للتغيير والمسير إلى المستقبل الواعد في وطن يستحق منا التميز في بناء لبناته من أبنائه وبناته، وهي مسؤوليتنا جميعاً، وواجبنا لإعداد أجيال ترتقي بمهاراتها وقدراتها، لدعم مسيرة الوطن، والله أسأل أن يوفق القائمين على هذا المؤتمر لكل مافيه خير وعز الدين والوطن. 

د. علي بن سعد الحربي

الأستاذ المشارك في المناهج وطرق التدريس

جامعة شقرا

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA