تقويم أم تقييم؟

يخطّئ بعضهم الفعل «قيّم»، ويجعله «قوّم»، وهو بذلك يرجع بنا إلى الأصل اللغوي للفظ، وهو مصيب في ذلك، لكنه في الوقت نفسه يراعى في اللغة جانب آخر هو تفادي اللبس، وبه يُصحّح ما قد يتوهم بعضهم خطأه، فلفظة «قوّم» قد تحتمل بعض اللبس فهي تدل على تقويم الاعوجاج، وتدل كذلك على بيان قيمة الشيء، وبذلك عدلت اللغة عن «قوّم» إلى لفظ جديد اشتق من اللفظ «قيمة» على توهم أصالة الياء لا على أنها منقلبة عن الواو، وظاهرة التوهم في الحرف الزائد موجودة في اللغة.

وقد ورد في مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة ما نصه: «... وعلى ذلك يجوز أن يقال: «قيّم الشيء تقييمًا» بمعنى: حدد قيمته؛  للتفرقة بينه وبين «قوّم الشيء» بمعنى عدّله، وقد جاءت المعاقبة بين الواو والياء المشددتين في أمثلة من كلام العرب يستأنس بها في تصحيح ذلك».

و«تحاشي اللبس مما يحمل على العدول عن صيغة يلزم بها القياس المطرد إلى صيغة أخرى مخالفة له؛ فنحن نقول من العيد: عيّد أي شهد العيد، أو اتخذ مظهر العيد، ولا نقول عوّد وهو الوجه، إذ له دلالة مباينة. ونحن نجمع العيد على أعياد، ولا نجمعه على أعواد بإعادة الواو لزوال سبب الإعلال وهو الكسر للسبب نفسه، ويصغر العيد على «عُييد» الذي يلزم بالرجوع إلى الواو، مراعاة للقلب في مكبره».

«وقد يعدل في الاستعمال اللغوي عن أصل الاستعمال متابعة واستمرارًا لحكم راهن، جُعل أصلاً بعد أن كان فرعًا، وهذا انتقال بالاستعمال من درجة إلى درجة». يقول ابن جني في باب تدريج اللغة: «وذلك أن يشبه شيء شيئًا في موضع فيمضي حكمه على حكم الأول ثم يرقى منه إلى غيره، فمن ذلك قولهم: جالس الحسن أو ابن سيرين، ولو جالسهما جميعًا  لكان مصيبًا مطيعًا، لا مخالفًا، وإن كانت «أو» إنما وضع في أصل وضعها لأحد الشيئين. وإنما جاز ذلك في هذا الموضع، لا لشيء رجع إلى نفس «أو» بل لقرينة انضمت من جهة المعنى إلى «أو»؛ وذلك لأنه قد عرف أنه إنما رغب في مجالسة الحسن لما لمجالسته في ذلك من الحظ، وهذه الحال موجودة في مجالسة ابن سيرين أيضًا، وكأنه قال جالس هذا الضرب من الناس».

وعلى ذلك جرى النهي في هذا الطرز من القول في قوله تعالى: ‭}‬ولا تطع منهم آثمًا أو كفورا‭{‬ الإنسان: 24. وكأنه – والله أعلم - قال: لا تطع هذا الضرب من الناس.

والعلاقة بين هذا وبين ما نحن في صدده، أنه ينبغي أن ينسى الأصل في «التقييم» ويعامل بما وصل إليه من مجرى جديد، كما عوملت «أو» التي تفيد الإباحة والتخيير بين الشيئين في الأصل، فنسي أصلها، وعومل معاملة «الواو» التي تفيد العطف، مع التنبيه إلى أن بعض الباحثين لا يرون بأسًا في استعمال لفظ «التقييم»، وغيره من الألفاظ الجديدة كلما دعت إليها الحاجة.

يعقوب أركيهوصلا أسامة

طالب دكتوراه - قسم اللغة العربية

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA