«الرياضيات» بين الدافعية والإنجاز والإبداع

يرى كثير من أعضاء هيئة تدريس مادة الرياضيات أن أهم شيء في دراسة الرياضيات قدرة الطالب على تجريدها وعلى فهم هذا التجريد والتعامل معه وليس تطبيقات الرياضيات، كما يعتقد البعض أنه كلما كان المقرر على درجة عالية من التجريد كلما كان ذلك أفضل وأجود، رغم أن العالم الآن يغوص في التطبيقات وتطورها والعمل على الإبداع فيها.

صحيح أن للتجريد أهميته وأن هناك قوانين لابد من فهمها وتعلمها لمجردها، غير أن واقع تدريس الرياضيات بالمجتمع العربي والعالم بأسره حاليًا وما أكدته الدراسات والبحوث ينص على أنه كلما كان تدريس الرياضيات وظيفياً وواقعياً ومرتبطاً بالبيئة، كلما كان له أثر أعمق في فهم الطالب الذي يدرسه وأكثر دافعية له في دراستها والقضاء على صعوبتها لديه وأصبح تعلماً ذا معنى لديه، وأكثر إنجازاً في تعلمها والاستمتاع بهذا التعلم.

أذكر حينما كنت في بداية تسجيل درجة الماجستير وكانت بعنوان «فعالية المدخل البيئي في تدريس الرياضيات على التحصيل والاتجاه نحو كل من الرياضيات والبيئة»، وأعتقد أنها كانت الرسالة الأولى بالوطن العربي التي تناولت هذا الاتجاه، حيث كانت هناك معارضة شديدة له وكان رأي الكثير من الأساتذة باستحالة أن يتم البحث فقماشتا الرياضيات والبيئة مختلفتان.

والحمد لله تم البحث ومناقشته عام 1998م وأصبح اتجاهاً عالمياً الآن وبما نراه الآن في كتب الرياضيات بالسنوات الدراسية المختلفة بالمملكة العربية السعودية.

إن ربط الرياضيات أثناء تدريسها للطلاب بوظيفتها في الواقع من ناحية وبالبيئة والمجتمع من ناحية أخرى، إنما يعطي لتدريسها المعنى والغرض من دراستها ويتم به الرد على أسئلة كثيرة من طلابنا: لم أدرس هذا؟ وما فائدته؟

إن عضو هيئة تدريس الرياضيات عليه عبء كبير في هذا المجال وعليه أثناء تجهيز محاضرته أن يسأل نفسه: كيف يمكن ربط هذا المفهوم أو القانون بوظيفيته في الحياة اليومية وتطبيقاته داخل واقع البيئة وربطه بها.

عليه أن يجمع المعلومات الكافية في هذا الاتجاه ويعضدها بوثائق تعليمية من وسائل وصور أو أفلام علمية أو معلومات موثقة أو مشاريع طلابية لجمع المعلومات عنه، وأعتقد أن هذا ممكن داخل فروع الرياضيات المختلفة «جبر – تفاضل – تكامل – هندسة - إحصاء» وبقدر المستطاع، مع توفر التقنيات الحديثة المساعدة على ذلك.

أذكر هنا مشروعاً من مشاريع الرياضيات بجامعة طوكيو في اليابان، وبصورة مبسطة، حينما كان الدرس التعليمي عن الدوال، وكان المشروع الطلابي حول دراسة العلاقة بين أوزان السيارات المارة على أحد الكباري ودرجة اهتزازه عند عبورها عليه، أو اهتزازات الزلازل وأثرها على صمود الكوبري ومرونته، وكانت دالة، ومع دراستها انقطعت الدالة ولم تعد متصلة عند نقطة معينة، بمعنى انهيار الكوبري عند هذا الوزن، فهل يمكن أن ينسى الطالب لم الدالة غير متصلة ومعنى عدم اتصالها!

كم نحتاج في تعليم طلابنا لهذا التعلم ذي المعنى والمرتبط بوظيفية المادة لتعليم طلابنا بأن ما يدرسونه إنما هو قوانين لآلات تعمل في الواقع، وأجهزة عمل القلب بالمستشفيات تطبيق ووظيفية للدوال، وحساب التفاضل له وظيفة مستقبلية للتوقعات على سبيل المثال لا الحصر.

إن المخترعات التكنولوجية الحديثة والأجهزة الإلكترونية «الجوالات» مثلاً والتي تباغتنا يومياً بإصدارات جديدة وحديثة ومتقدمة ومتنوعة وملائمة، إنما نتجت من الجمع بين الدراسة والتعلم من ناحية والوظيفية والتطبيق والواقعية والتعلم ذو المعنى من ناحية أخرى، ليتم الإبداع في التطبيقات ومستحدثاتها لإيجاد منتج جديد قائم على عمق الفهم الملائم والمنتج للخبرة اللاحقة والمستحدث الناتج والمناسب لاستخدام البيئة والمجتمع.

هكذا نبني طلابنا على عمق الفهم وأثره الناتج في التطوير وإنتاج إبداعات جديدة في المادة وتطبيقاتها. 

 

د. هشام عبدالغفار 

أستاذ المناهج وطرق تدريس الرياضيات المساعد

قسم العلوم الأساسية 

السنة الأولى المشتركة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA