بعد قرن من الآن!

 

 

عندما يحل عام 2119م، أي بعد قرن من الآن، سنكون جميعاً أنا وأنت أيها القارئ العزيز مع كل الأبناء والأهل والأقارب والأصدقاء والزملاء مع كل من تعرفهم ومن لا تعرفهم تحت الثرى، مجرد ذكرى!

سيكون مصيرنا قد أصبح واضحاً وجلياً لا يقبل التشكيك والتأويل أبدًا، سنراه أمام أعيننا، وسيسكن بيوتنا أو فللنا أو قصورنا أناس غرباء، وسيتمتع بأموالنا وبأملاكنا التي جمعناها بطرق شتى غيرنا، وسيؤدي أعمالنا آخرون والتي كنا نظن حينها أن لا أحد يعملها ويتقنها سوانا، ولن يتذكروا شيئاً عنا.

وكل من حزن وتأسف وبكى واشتكى وذرف الدموع علينا عند موتنا سينتهي حزنهم مهما كان درجته وشدته، ولنكن واضحين كم يخطر ببالنا عن أجدادنا ومن بعدهم آبائنا وكل من احببناهم وفقدناهم في حياتنا؟؟ قليلاً جداً لنكن صادقين مع أنفسنا! كم من معلم وكم دكتور رحل عنا لكن علمه وسلوكه وسجاياه تعيش معنا، سنكون مجرد ذكرى عابرة، سطر في عمود الذاكرة، أسماؤنا وألقابنا ومناصبنا وأشكالنا وصورنا وكل ما يتعلق بنا سيطويها الزمن والنسيان.

فلماذا نطيل التفكير بنظرة الناس إلينا، ولماذا نحرق قلوبنا لتصرفات الغير، ولماذا نتعب أنفسنا لإرضائهم، ولماذا نجمع الأموال بغير طرقها ولماذا نقتر عن أنفسنا ولماذا ننشغل بمستقبل أولادنا وأملاكنا وبيوتنا وأرصدتنا وكل أهلنا، كل هذا ليس له جدوى أو نفع بعد قرن من الآن!

إن وجودنا ليس سوى لمحة في عمر الكون، وومضة في جدار الزمن وحرف في قاموس اللغة، فهذا الكون كله في نظر الخالق لا يساوي أصلاً جناح بعوضة!

سيطوى عُمرنا وسينقضي في طرفة عين، وسيأتي بعدنا عشرات وربما مئات وآلاف من الأجيال، كل جيل يودع من سبقه على عجلٍ ويسلم الراية مُكرهاً للجيل التالي، وهكذا دواليك قبل أن يحقق الجيل الأول ربع أحلامه التي لا تنتهي ولا تتوقف إلا بموته!

هل تعلمون أن حجمنا الفعلي في هذه الدنيا، وزمننا الحقيقي في هذا الكون، أصغر مما نتصور بكثير! هناك بعد قرن سنكون وسط الظلام الدامس والسكون المتناهي، سندرك كم كانت الدنيا فانية وتافهة وكم كنا أغبياء متساهلين بالأمور المهمة!

كم كانت أحلامنا سخيفة، وكم كانت جهودنا سهلة وسنتمنى لو أمضينا أعمارنا كلها في عبادة الرحمن في سجدة، وفي جمع الحسنات والصدقات الجاريات وهن الباقيات، هناك سنطلق آلاف الصرخات استغاثة ورجاء ونداء لا طائل منها كما في قوله تعالى: «قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ». وقول المولى: «وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ». وقوله عزوجل في وصف عبادة الخاسرين: «يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي».

أيها القارئ العزيز، أيتها القارئة العزيزة، أيها الطالب والدارس والباحث والدكتور والمسؤول، طالما لا زال في العمر بقية، ولا زال في الجسد صحة ولا زال في الوقت متسع مأمول، فلنعتبر ونغيّر من أنفسنا وأفكارنا وأحلامنا وكل شيء من حولنا قبل يوم الذهول. تأملها جيداً واقرأها بعقلك قبل لسانك وعينك فالحياة قصيرة، قصيرة جداً!

فيصل أحمد الشميري

طالب دكتوراه

كلية علوم الأغذية والزراعة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA