«الجنادرية» كرنفال ثقافي متجدد

 

 

 

انطلقت فعاليات مهرجان الجنادرية بنسخته الثالثة والثلاثين، متجاوزاً العقد الثالث من عمره، كرمز وطني يحظى باهتمام كبير من القيادة السعودية؛ لما يحمله من مضامين قيميّة وثقافية ارتبطت بالإنسان السعودي، وعاداته وتقاليده العريقة، وكرسالة استثنائية تكرسها المملكة من أجل احترام التراث، والترويج له بشتى جوانبه، ومحاولة الإبقاء والمحافظة عليه ليبقى ماثلاً للأجيال القادمة.

لا شك أن المهرجانات والفعاليات التي أضحت اليوم تُقام في كل دول العالم لم تعد مجرد تظاهرات ثقافية وفكرية واجتماعية وغيرها، لكنها أصبحت صناعة رائجة عالمياً –صناعة الفعاليات- لها أدواتها وآلياتها ومقوماتها واستراتيجياتها، وأداة فاعلة للتنمية بمختلف أشكالها ومستوياتها، تُسهِم في توفير فرص العمل، وتدر المليارات، وتنعش الحركة الاقتصادية لكثير من البلدان، فضلاً عن أنها نافذة للعالم لعرض ثقافة المجتمعات، ومد جسور التواصل الإنساني.

في أول زيارة لي للجنادرية قبل ست سنوات تقريباً، شعرتُ لأول مرة أنني أحضر فعالية سياحية حقيقية، تحوي منتجاً سياحياً متكاملاً بتفرده وتميزه، تجعلك تختصر الزمان والمكان معاً للتعرف على كل ثقافات مناطق المملكة المترامية الأطراف، وجدتُ إيقاع حياة مختلفة غنية بتفاصيل مدهشة، وحكايات تكشف جماليات الماضي من خلال منظومة من الأنشطة التراثية في إطار تفاعلي ترفيهي جذاب.

وتتوالى السنون، وتتصاعد جماهيرية هذا المهرجان كل عام، دون أن يفقد هويته وشخصيته وأصالته، وفي كل دورة يبتكر القائمون عليه إضافات وأنشطة جديدة، علاقات دولية، حوار حضاري عالمي، محاضرات، ندوات، أمسيات، مساجلات شعرية، ندوات فكرية، أكلات شعبية، حرف يدوية، رقصات، سباقات، فنون، عروض، ومختلف الفعاليات الحافلة بالسياسة والثقافة والتراث.

الجنادرية حدث سنوي، ومناسبة وطنية يستحق الإشادة والزيارة والفخر، تمتزج فيه أنشطة تعبر عن عبق التاريخ المجيد، ونتاج الحاضر المزدهر، فهو يعطي صورة حية عن الماضي بكل معانيه الثقافية والفنية، ويضع الزوار في حقيقة التاريخ الراسخ للمملكة، وأصالتها، وحاضرها المشرق، وهوية شعبها، وتماسكه الثقافي والفكري وتلاحمه الاجتماعي.

إن مهرجان الجنادرية، خلافاً على كونه تظاهرة ثقافية وتراثية وترفيهية، يترقبها الصغير قبل الكبير، وتستقطب سنوياً مئات الآلاف من جميع فئات المجتمع، ومن الزوار العابرين للحدود، فهو يؤدي دوراً كبيراً في التنمية، حيث يُقَدِّم فرص عمل موسمية مُجزية تدعم الأسر المنتجة كسوق متميز بالنسبة للحرفيين وباعة المنتجات التراثية والمشغولات اليدوية، الذين يفدون إليه من كل مناطق المملكة؛ لتسويق وبيع منتجاتهم على الزوار، وهو ما ينسجم مع رؤية 2030 الهادفة إلى تحويل المخزون الثقافي والتراثي للمملكة إلى مشروع استثماري؛ يتم تسويقه لتحقيق العائد، وتعظيم الناتج المحلي.

الجنادرية كرنفال وطني كبير، ومملكة مصغرة بثقافتها، وحضارتها، ورسوخها، بكل عناوينها وتنوعاتها وثراء تاريخها، لا أبالغ إن قلتُ هو مهرجان المهرجانات المحلية والخليجية والعربية، وقريباً - بإذن الله - سيصبح أحد عناصر التراث الثقافي غير المادي على القائمة التمثيلية لليونسكو بعد أن أصبح ملف ترشيحه جاهزاً للتصويت؛ ليتجاوز حدوده المحلية والإقليمية، ويكون مهرجاناً عالمياً كما أرادت له القيادة.

د. ياسر هاشم الهياجي

كلية السياحة والآثار

yasseralhiagi@gmail.com

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA