المدير القوي خير من الضعيف

 

 

قوة المدير لا تتمثل في البطش والتسلط ورفع الصوت على الآخرين، واستخدام الألفاظ النابية لتقريع المرؤوسين وإرهابهم، وتصيد الأخطاء، والتعسف، واستعراض العضلات، والبنية الجسمانية الضخمة، وتحمير العيون، وبث الرعب في قلوب الموظفين بنشر الجواسيس وناقلي الأخبار في أوساطهم، والتهديد بالنقل والفصل وإحالة الموظف للتحقيق، وحجب المكافآت والخصم من الراتب.

قوة المدير مستمدة دون شك من قوة شخصيته ومدى جاذبيتها «charisma» والكاريزما هي القدرة على استخدام السمات الشخصية المميزة في التأثير على الآخرين، لذلك نجد أن المدير القوي يستمد قوته مما يمتلك من صلاحيات واسعة ومركز وظيفي يستثمره لتحقيق أهداف المنظمة التي يقودها دون أن يوظفها في خدمة مصالحه الشخصية.

وتتركز قوته على ما يختزن من معلومات وفهم عميق وخبرة، وقدرة على فهم الآخرين، وبناء العلاقات الجيدة مع كافة الأطراف، والجرأة في اتخاذ القرارات ومنح الثقة للعاملين، والأمانة، والقدرة على إرساء دعائم العدل، وتطبيق الأنظمة على الجميع دون تفريق، مصدره في تقويمه للآخرين وحكمه عليهم وفق ما يراه لا ما يسمعه.

وفي المقابل تظهر شخصية المدير الضعيف والذي لا يعتمد على ما يمتلك من صفات شخصية وقدرات ومهارات بقدر ما يستمد كل ذلك من الآخرين «فاقد الشيء لا يعطيه»، وهو شخص لا يتمتع بأي سمات جاذبة، متردد في اتخاذ القرارات، غير منظم في عمله، عشوائي، ليس لديه أية رؤية، يميل كثيرًا إلى المركزية في العمل ولا يثق بالآخرين، يعتمد في تقويمه لهم على ما ينقل له بواسطة «العيون» الذين يبثهم في كل مكان.

كما أنه غير قادر على مواجهة الآخرين، بعيد كل البعد في تعاملاته عن المصداقية والمكاشفة، يحاول جاهدا الظهور أمام الموظفين بمظهر المحب لهم والحريص على مصالحهم والمتفاني في سبيل تأمين مطالبهم وحل مشكلاتهم، بعكس ما يبطن فهو لا يعطي إلا بمقدار ما يأخذ، لا يثق بالآخرين، غير منضبط في دوامه، غامض في تعاملاته، ولذلك تعاني إدارته من الفراغ والضياع.

من سياق العرض السابق نحاول الإجابة على تساؤل هام جدًا «لماذا المدير القوي خير من الضعيف ؟» برغم أن الموظف تحت إدارة القوي يبذل جهودًا أكبر بل ومضاعفه وربما ينعكس ذلك على حياته الخاصة بعكس إدارة الضعيف والتي يعيش الموظف في ظلها دون أن يقدم جهدًا أكبر، بل إن ما يقدمه من عطاء يعد هزيلاً بكل المقاييس.

الإجابة على هذا التساؤل تقدمها النتائج لا التفاصيل، فالمدير الضعيف يقف في صف الظالم خوفًا منه، ويستقوي على المظلوم، ولا يرد الحق لأصحابه، لا يقف بجانب الموظف في المواقف المحرجة، ويشجع المنافسين التافهين، لا يتورع عن استنزاف قدرات وخبرات وإمكانات الموظفين، ولا يقدم لهم شيئاً.

وإذا ما أحس أن الموظف قد تم استهلاكه فلن يتردد في تهميشه أو تدبير المكائد له أو طعنه من الخلف، إنه يصنع «دكتاتورية» لا يملك أسلحتها، دكتاتورية جنودها وقواتها المحيطون بالمدير من أصحاب المصالح والمنتفعين، إذ يستخدمهم لتنفيذ مكائده دون أن يظهر في الواجهة.

في المقابل نجد أن المدير القوي مصدر أمان لموظفيه، يقف دائمًا بجانب الحق مهما كانت النتائج ويحسن قيادة المجموعة إلى بر الأمان، ويطبق المعايير والأنظمة بين الجميع دون تمييز، ويحرص على إعطاء الموظف حقه النظامي كاملاً، يحمل الموظف على كتفيه ويدفع به إلى الأمام، معياره الوحيد كفاءة الموظف وإنجازاته دون أن يضع للجوانب الشخصية أي اعتبار.

هناك عبارة شائعة تقول «إن الأفراد لا يتركون العمل، بل يتركون الرؤساء»، وعليه فإن الموظف الكفء يحب العمل في ظل إدارة المدير القوي ويهرب من المدير الضعيف، لأن الأول يقدره والثاني يحتقره.

 

عبدالله بن محمد الشمراني

مكتبة الملك سلمان المركزية

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA