مكتبة الملك سلمان والطريق الواحد

 

 

سؤال افترضته وأجبت عنه، وشكل مُفتتحًا لهذا المقال، ماذا لو سُئلت عن مركز الباحثين وطلاب العلم في المملكة، هل سأكون مخيرًا في الجواب، أعتقد أنني لا أملك إلا جوابًا واحدًا، ولن أجيب بغير مكتبة الملك سلمان المركزية بجامعة الملك سعود.

وهذا ليس تقليلاً من المكتبات الأخرى، فكلها تؤدي أدوارًا معرفية، وتفتح أبوابها أمام الباحثين وطلاب المعرفة كذلك، لكن ما يميز مكتبة الملك سلمان المركزية بجامعة الملك سعود أنها أكبر مكتبة جامعية على مستوى المكتبات الجامعية في السعودية، وهي ثاني أكبر مكتبة جامعية على مستوى الوطن العربي، واستطاعت في سنوات مضت من تاريخها المعرفي العريق أن تخط لها طريقًا واضحًا في المكانة التي تليق بها بين طلاب العلم، وتربعت منصة المعرفة بين المكتبات بخدماتها التي سارت لفترة بخطى متسارعة نحو مواكبة المعرفة ونشرها. 

ظلت المكتبة لفترات طويلة تُعنى بروادها وتسعى لمواكبة المستجدات المعرفية وتعمل على توفيرها، وكانت حريصة على بناء صورتها الذهنية، فجابت العالم شرقاً وغرباً مُشاركةً في معارض الكتب الدولية والمحلية، وكانت تحمل معها حقائب ثمينة من الكنوز والإنتاج المعرفي السعودي، والإنتاج العلمي لجامعة الملك سعود، وتتيح الاطلاع عليه.

هذا جانب مهم يخدم الجامعة، ويبرزها بين الجامعات والمؤسسات العلمية، وهو من صميم عمل المكتبة؛ لأنها خير من يمثل الجامعة، والإنتاج الفكري والمعرفي هو الذي يفاخر به العالم، وهو الذي يجب أن نبرزه عن وطننا الغالي وفق رؤية2030، ولا يشك أحد أن الإنتاج المعرفي كبير في جامعتنا، لكنه بحاجة إلى من يبرزه ويسوِّقه.

في فترات خلت من تاريخ المكتبة، كانت تسير نحو التطوير بشكل ملحوظ ومدرك، وتحرص على خدمة التزويد، فزُودت المكتبة بمجموعات ومصادر من كافة التخصصات العلمية والأدبية والمعارف والفنون والعلوم المختلفة التي تخدم كافة كلياتها ومعاهدها ومنسوبيها، وتخدم المجتمع ككل.

وفي جانب الفعاليات كانت المكتبة تُقدم العديد من الفعاليات الثقافية المتنوعة، وتعقد الدورات المفيدة لروادها، بل وأسهمت في نقل مناقشات علمية خدمةً للطلاب وأساتذتهم، عبر ما يتوفر من إمكانياتها.

حراك معرفي واكب التحولات التي شهدتها الجامعة، وتطلعاتها نحو العالمية، هذا هو خط الجامعة الذي عرفناه وهو الذي يجب أن يستمر ويتطور ولا يبقى على صورة واحدة؛ لأن المعرفة متدفقة بشكل مهول وغير متصور، ولا تنتظر من لا يخطط، وأظن رواد المكتبة يتذكرون التجديد والتنوع في الخدمات، وما زالوا يحتفظون بمشاهد من الحراك المعرفي الجميل للمكتبة، وإسهاماتها.

إن كل ما سبق من تحولات نحو الأفضل في خدمة المكتبة وجهودها وإسهاماتها في بناء صورة عن الجامعة لم يكن إلا بجهود المخلصين من موظفي المكتبة، الذي يعملون بدافع الانتماء للمؤسسة وحُب العمل.

لو تذكرنا صورة المكتبة قبل سنوات، ونراها اليوم، سنرى فرقًا كبيرًا، وقد نتساءل، لماذا تقلصت مشاركات المكتبة في المعارض الدولية والمحلية؟ لماذا لم تعد تشارك إلا في حدود ضيقة محدودة؟ ولو حاولنا تغيير السؤال وتساءلنا: كم عدد المعارض والفعاليات الدولية أو العربية التي شاركت فيها المكتبة خلال العامين المنصرمين مثلاً؟!

ولو تساءلنا عن طُرق التزويد في مكتبة الملك سلمان المركزية، وعن تنمية مجموعات المكتبة، هل سيظهر أنها في الفترة الأخيرة قائمة على قبول إهداء المكتبات التراثية والتاريخية والمصادر القديمة من المعرفة، وهذا مهم ومهم جدا؛ لأن الاحتفاظ بالمعرفة والحفاظ على الإنتاج الفكري القديم هو حفظ للهوية، لكن في مقابل ذلك كانت هذه الإهداءات على حساب مصادر ومعارف أخرى ذات أهمية قصوى، مثل: الطب، والهندسة، والعلوم الحديثة، فكم زودت المكتبة هذه العلوم بمصادر جديدة؛ هذه علوم قائمة على التجدد وتتطلب التحديث المستمر، ولا شك أن هناك تزويداً جديداً، لكن محدوداً ونادراً قياسًا بما كانت عليه المكتبة في السابق.

ولنقل مثل هذا في جانب الفعاليات، صحيح هناك فعاليات، لكن التساؤل: الفعاليات والدورات هل تخدم كل الفئات والتخصصات، أو تقتصر على خدمة فئة أو تخصصات محدودة؟ وكم أقامت من دورات مهنية أو معرفية تخدم التخصصات التقنية والطبية والعلوم الحية.

إن المكتبة عليها مسؤولية خدمة كل التخصصات، وزيادة الإشتراكات بالمعارف التي قد لا تتوفر على الشبكات أو قواعد المعلومات، ثم إن من المفارقات بين ماضي المكتبة وما هي عليه اليوم، أن الدورات كانت تُقدم مجانية، بخلاف ما هي عليه اليوم.

ولكي يكون ما طرح دقيقًا أُشيد هنا بفعاليات مكتبة الطالبات المركزية نوعًا وكمًّا، وهذا التنوع يعكس رغبة القائمين عليها في خدمة الطالبات والباحثات.

إن المكتبة لها تاريخ في خدمة المعرفة، والتوقف عن مواكبة المستجدات في الجوانب المعرفية، يجعلها تخرج عن مسارها الطبيعي، ولكي تعود إلى ما كانت عليه فهذا يتطلب إدارة متفهمة وإرادة وتخطيطًا وولاء للمؤسسة التي هي مصدر المعرفة الأول في الجامعة، وعليها تقع مسؤولية دراسة حاجات روادها، والعمل بدورها الحقيقي كواجهة معرفية لجامعة الملك سعود.

إن قدر مكتبة الملك سلمان المركزية وطريقها ليس طريقاً واحداً، بل أن تسلك كل الطرق التي تخدم المعرفة، فمكانتها العالمية ومركزها المتقدم والمتميز محلياً وإقليمياً وعالمياً، يسمح لنا بأن نمتلئ أملاً في أن نرى مكتبنا في الصدارة دومًا، ومتقبلةً للآراء التي تُسهم في نهضتها وعودتها إلى ما كانت عليه، وهو مطلب من جميع محبي جامعة الملك سعود ومحبي مكتبة الملك سلمان، فهي تحمل اسم رمز من الرموز الغالية علينا، حفظ الله قيادتنا ووطننا.

 

ماجد الشهري  

عمادة شؤون المكتبات 

أمين مكتبة 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA