ببساطة وبعيدا عن الفلسفة .. أهمية التفكير النقدي في الدراسات العليا

في بداية ابتعاثي انتابني خوف شديد مما كنت أسمعه من بعض الطلبة السعوديين حول ضرورة إتقان مهارة النقد ومدى صعوبة ذلك، وسمعت قصصاً كثيرة لطلاب انتقلوا بين المدن بحثاً عمن يساعدهم في تحليل دراسة ما، أو طلباً لتدريسهم هذه المهارة بشكل خاص.
لا أنكر أن الموضوع كان يحيطه بعض الصعوبة وخصوصاً أننا كطلاب من ضمن مخرجات تعليم معتمد على التلقين والحفظ والاختصار المبالغ به، الأمر الذي جعلنا لا نستطيع التمييز بين المهم والأقل أهمية، فضلاً على أن عقولنا تحولت بشكل غير إرادي إلى مكائن حفظ مؤقتة.
إذا سألنا أنفسنا: هل من الممكن أن ندرك سر التفكير والتحليل النقدي وما السر الذي يجعلنا متمكنين من مهارة التحليل؟ فسنجد ببساطة أن ذلك السر يكمن في طرح التساؤلات وبمعنى أخر التفكر في المعلومة المطروحة.
تعتمد مهارة التحليل على بعض الاستراتيجيات من أهمها طرح الأسئلة الصحيحة في شكل تساؤل مستمر، وهذه الاستراتيجية لها دورها في إثارة التفكير النقدي لدى الباحث، وعبرها سيجد الباحث نفسه اثناء استماعه لمشرفه أو محاضرته يقوم بتدوين الأسئلة وطرحها وقد يجد لبعضها أجوبة مباشرة وقد تقوده بعض تلك الأجوبة إلى نقاط أخرى، مبحراً في رحلة التحليل المعتمدة على البحث القائم على التساؤل، ومن ثم تدوين الأجوبة ومعاودة التساؤل مرة أخرى عن أهمية هذه الأجوبة وتفسيرها ودلالتها.
من الأمثلة البسيطة على التساؤلات التي يمكنك كباحث البدء فيها عند التحليل التالي: لماذا أوصاني مشرفي بقراءة هذا النص؟ ما علاقة ذلك بسؤالي له؟ من كاتب هذا المقال؟ ما هي شهاداته وما مركزه في هذا المجال؟ هل هو أهل للثقة فأتعلم منه وأقتبس وأناقش أفكاره أم العكس تماما؟
كل تلك الأسئلة ستجعلك قادراً على انتقاد ما تراه غير صائب وستجعلك متمكناً من اقتراح بعض الحلول وفقا لمرئياتك ووجهة نظرك كباحث له شخصيته المستقلة، والمجال مفتوح أمامك للتفكر فيما شئت فلا يوجد ما يمنعك من التفكر والتساؤل والتحليل، وقد يتطور الأمر إلى أن تصبح قادراً ومتمكناً من انتقاد ما ورد في الكتب المتخصصة من أفكار ومعلومات والتي ظننا ملياً أنها من المسلمات التي لا يمكن لشخص مناقشتها.
ختاماً، لا بد أن ندرك أن أحد الجوانب المهمة في التفكير النقدي التحليلي قاعدة أنه لا يوجد صواب أو خطأ مسلم به ثابت في كل الأحوال، بل يعتمد الأمر على الحجج والبراهين الأكثر إقناعاً، فأحد ما تعلمناه في الخارج هو ضرورة القبول بوجهات النظر وعدم المبالغة في التمسك بالرأي والبعد عن تعميم النتائج، ومادام الباحث يملك براهين وحجج قوية تثبت رأيه فلا يمكن لشخص تجاهلها بل إنه سيؤخذ برأيه وستكون له بصمته ورؤيته الخاصة.

أمل أحمد ناصر الصقور
مبتعثة من جامعة الملك سعود
طالبة دكتوراه في قسم التربية
تخصص اللغة الإنجليزية

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA