الرياض 200 عام من الازدهار

قبل مئتي عام «١٢٤٠هـ» أعلن الإمام تركي بن عبدالله آل سعود لسكان الجزيرة العربية عودة حكم آبائه وأجداده للمرة الثانية، بعد أن استطاع بفضل الله هزم وطرد الحاميات العثمانية في نجد وإعلان قيام الدولة السعودية من جديد، بعد أن سقطت للمرة الأولى عام ١٢٣٣هـ، وتدمير عاصمتها «الدرعية» على يد العثمانيين الغاصبين.

وبعد أن بايعه أهل الرياض كـأول حاكم للدولة السعودية الثانية، كان من أوائل القرارات الهامة التي اتخذها اختيار مدينة الرياض عاصمةً للدولة السعودية، مع أن إرث أسرته التاريخي وتراثهم الحضاري وقصورهم موجودة في الدرعية، ولكنه اختار الرياض عاصمة جديدة لصعوبة إعادة إحياء وإعمار الدرعية من جديد بعد الدمار الذي حلَّ بها، إضافة لتميز مدينة الرياض بقوة التحصين والعمران وكثرة المزارع والأسواق، ولا ننسى أن الإمام تركي بن عبدالله كان أميراً على الرياض في عهد الدولة السعودية الأولى!

من القرارات التي اتخذها رحمه الله أيضاً، إعادة بناء سور مدينة الرياض وتطويرها اقتصادياً وعمرانياً وأمنياً حتى إنه بنى فيها أحد أشهر الجوامع الكبيرة والتاريخية في نجد والذي لازال إلى الآن بعد أن أعيد بناؤه من المعالم الدينية والحضارية للرياض بالقرب من قصر الحكم وهو الجامع الكبير والمعروف حالياً بـ«جامع الإمام تركي بن عبدالله».

بعد أن استشهد الإمام تركي حكم الدولة من بعده ابنه الإمام فيصل بن تركي، وسار على خطى والده في التنمية والبناء وتعمير الرياض خصوصاً في فترة حكمه الثانية، وبعد الإمام فيصل تولى الحكم من بعده ابنه الإمام عبدالله بن فيصل بن تركي والذي أنشأ بوسط الرياض صرحاً معمارياً ضخماً لازال شامخاً ورمزاً للرياض إلى الآن وهو «حصن المصمك» الذي كان مسرحاً لمعركة فتح الرياض التي حدثت عام ١٣١٩هـ بعد سقوط الدولة السعودية الثانية بعشر سنوات أي عام ١٣٠٩هـ، والتي شهدت انتصار عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي آل سعود معلناً قيام الدولة السعودية مرةً ثالثة واختيار الرياض عاصمة للدولة السعودية للمرة الثانية لها كعاصمة. 

وقد شهدت الرياض في عهد الدولة السعودية الثالثة ازدهاراً ونماءً وتطوراً لم تشهدها منذ أن كانت «حجر اليمامة» وترك فيها جميع ملوكها بصمةً لتشهد لهم على ما قدموه لها من سخاء وعطاء، فلما ضمها الملك عبدالعزيز - رحمه الله - إلى حكمه رمم سورها وقصر الحكم فيها وأصلح دفاعاتها واهتم في زيادة إعمار الرياض حتى توسعت عن نطاق سورها الذي لم تتعداه منذ أن أنشئ! كما أنشأ مجمع قصور المربع الذي يعكس الفن المعماري النجدي الأصيل والذي لازال شامخاً إلى الآن!

وفي عهد الملك سعود - رحمه الله - أنشأ في الرياض أول جامعة في شبه الجزيرة العربية وهي «جامعة الملك سعود» التي تعتبر اليوم من أفضل الجامعات المرموقة في العالم العربي والشرق الأوسط بالإضافة لزيادة التوسع العمراني وتخطيط الشوارع وغيرها من التطورات.

وفي عهد الملك فيصل - رحمه الله - ظهرت العديد من المعالم الحضارية مثل برج المياه ومستشفى الملك فيصل التخصصي وإعادة بناء جامع الإمام تركي بن عبدالله بالإسمنت لأول مرة، وغيرها من تطورات عمرانية ومعيشية شهدتها الرياض في عهده.

وفي عهد الملك خالد - رحمه الله - تم افتتاح العديد من الرموز الحضارية للرياض مثل أبراج الخالدية وبرج التلفزيون ومستشفى الملك خالد الجامعي ومباني مقرّات أغلب الوزارات والمنشآت الحكومية الكبيرة. وفي عهد الملك فهد - رحمه الله - شهدت الرياض قفزة حضارية كبيرة وازدهاراً في شتى المجالات فمن ضمن المشاريع الضخمة التي افتتحت في عهده مطار الملك خالد الدولي وإستاد الملك فهد الدولي ومركز الملك عبدالعزيز التاريخي ومركز الملك فهد الثقافي وغيرها الكثير من الإنجازات والمعالم التي لازالت وجهة مشرفة للوطن.

وفي عهد الملك عبدالله - رحمه الله - بدأت الرياض تُظهر نفسها كمدينة عالمية وشهدت افتتاح العديد من المنشآت والمعالم الحضارية العالمية مثل مركز الرياض الدولي للمؤتمرات والمعارض وجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن والبدء في إنشاء مشروع الملك عبدالعزيز للنقل العالم «مترو الرياض» ومركز الملك عبدالله المالي الذي يعد من أضخم المراكز المالية حول العالم وغيرها من إنجازات حضارية مبهرة.

وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - الذي يعتبر المهندس الأول للرياض والذي شغل منصب أمير الرياض لمدة تتجاوز النصف قرن جعل منها نموذجاً حضارياً صُنفت فيه كأحد أسرع مدن العالم في التوسع والتطور!

وقد كان حفظه الله يقول عن الرياض: «لا أتخيل نفسي بعيدًا عن مدينة الرياض حتى لو لم أكن موجودًا فيها، فالرياض بالنسبة لي الوطن والتاريخ، الماضي والحاضر والمستقبل والأمل».

والرياض اليوم في عهد حاكمها وسلطانها ومحبّها سلمان بن عبدالعزيز تستعد لأن تكون ضمن العواصم الكبرى في العالم بعد أن أعلن عن العديد من المشاريع الضخمة التي ستجعل الرياض مستقبلاً في مصاف المدن المتقدمة في شتّى المجالات، وأبرز هذه المشاريع مشروع القدية وتطوير بوابة الدرعية وإنشاء القرية الطبية وتطوير وسط مدينة الرياض وتأهيل وادي السلي وغيرها الكثير من المشاريع الجبارة التي ستُحدث بإذن الله قفزة حضارية قوية للرياض.

ونحن اليوم في عام ١٤٤٠هـ نستذكر الذكرى الـ٢٠٠ لاختيار مدينتا المحبوبة والغالية «الرياض» كعاصمة للدولة السعودية في ١٢٤٠هـ، وخلال المئتي عام الماضية بحمد الله وفضله منذ عهد تركي بن عبدالله إلى عهد سلمان بن عبدالعزيز عاشت الرياض ٢٠٠ عام من الازدهار.

عبدالإله حمد الماجد

كلية السياحة والآثار

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA