سر «التوقيت» فوق مركز القطب الشمالي

 

 

 

تدور الأرض حول محورها الذي هو خط وهمي مستقيم، يمر عبرها ليصل مركز قطبها الشمالي بنظيره الجنوبي، أما خط الطول، فيصلُ بين نفس المركزين، ولكن من خلال امتداده على سطحها؛ مما يجعل منه نصف دائرة.

وأشهر خطوط الطول هو خط غرينتش، أو الخط صفر درجة، وهو يمر إضافة لمدينة لندن - التي تعتبر غرينتش إحدى ضواحيها - بعدة مدن كبيرة أخرى وعواصم؛ لأنه يقع في النصف المأهول الذي فيه معظم اليابس من الأرض.

أما خط الطول المقابل في النصف الآخر للأرض، والذي يكمل الدائرة، فهو خط الطول 180 درجة، وهو ما يعرف بخط التاريخ الدولي، والذي على النقيض من خط غرينتش، فإنه يقع بمعظمه في المسطح المائي الأكبر على سطح الأرض، وهو المحيط الهادئ، ولا يمر بسوى عدد قليل من الجزر قليلة السكان، ولهذا السبب خاصة تم تحديده في هذه المنطقة النائية؛ للتقليل من أثر مشكلة اختلاف التاريخ على جانبَيْه الشرقي والغربي، فهو الخط الذي يبدأ اليوم منه وينتهي إليه، وفرق التوقيت شرقه وغربه مباشرة هو 24 ساعة كاملة، فإن عبرت هذا الخط قادمًا من الغرب باتجاه الشرق - كما هو حال المسافرين مِن شرق آسيا إلى الولايات المتحدة - وصادف ذلك الثامنة صباحًا من يوم الاثنين، فسوف يصبح تاريخك الجديد هو الثامنة صباحًا من يوم الأحد، والعكس صحيح بطبيعة الحال للعابرين من الشرق إلى الغرب.

جميع خطوط الطول مستقيمة المسار تمامًا في اتجاهها من أحد القطبين للآخر، باستثناء خط التاريخ الدولي، الذي أحدث المختصُّون انحرافاتٍ مقصودةً فيه، فهو يتعرج يَمنةً أو يَسرة لضم بعض الجزر هنا وهناك؛ لإدخالها ضمن توقيت المناطق الرئيسية أو الدول التي تتبعها هذه الجزر.

إن أغرب ما في التوقيت أنك إن وقفت فوق مركز القطب، فإن ساعتك صحيحة من الناحية النظرية كيفما حرَّكت عقاربها؛ لأن جميع خطوط الطول القادمة من كل أنحاء الأرض - والذي يحمل كلُّ واحد منها توقيتًا مختلفًا عن الآخر - تجتمع في نقطة واحدة تقع تحت قدميك.

أما إذا رغبت في تغيير اليوم الذي أنت فيه، ثم الرجوع إليه ثانية، فكل ما عليك القيام به هو المشي في دائرة صغيرة حول هذا المركز، ولحل إشكالية التوقيت في هذه المنطقة، فإن مَن يصل إلى هناك يبقى على توقيت أقرب منطقة زمنية قدم منها، أو توقيت غرينتش.

أما إن وُجِد مسلمون في تلك المناطق المتجمدة، فإنهم يتبعون توقيت صلوات وصيام أقرب منطقة جغرافية إليهم، يتمايز ليلها عن نهارها، كما أفتى العلماء؛ لعدم انتظام الشروق والغروب، كما هو الحال في المناطق الأخرى؛ حيث يمتد النهار لما يقارب ستة أشهر متوالية، وكذلك الليل يدوم لنفس المدة بحسب الوقت من السنة.

إضافة للاستفادة من خطوط الطول كمناطق زمنية، فإن خطوط الطول والعرض معًا هي بمثابة شبكة تُحدِّد تقاطعاتُها إحداثيات كل بقعة على هذا السطح الكروي لكوكبنا؛ لأن المسافة بين كلِّ خطين منها مقسمة إلى 3600 جزء، للوصول إلى درجة عالية من الدقة في تحديد المواقع، ويتم ذلك بعدة وسائل؛ أشهرها ما يعرف بالنظام العالمي لتحديد المواقع «GPS» وتقوم كثير من شركات الهواتف المحمولة حاليًّا بتزويد أجهزتها بهذا النظام الذي يعمل على مدار الساعة، وبكافة الظروف الجوية، بدقة عالية؛ لاستعانته بالأقمار الصناعية.

 

أ. عاهد الخطيب

العلوم

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA