اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم

يميل أغلب الشباب والشابات والمراهقين والمراهقات في هذا الجيل إلى الدعة والراحة والتنعم بمظاهر الترف والرفاهية، والتمتع بجميع المباحات والإسراف في ذلك أحياناً، ولا يطيقون - في الغالب - أداء واجب أو تحمل مسؤولية أو مكابدة مشاق ومتاعب الحياة.
وليس المقصود هنا، الحديث عن أسباب ذلك أو العوامل التي أدت إليه، بل المقصود التحذير منه والدعوة إلى البدء بمجاهدة النفس وأَطْرها على التقليل من مظاهر الترف والدعة والرفاهية.
الزمن يتغير والوفرة تروح وتجيء، وكل شيء فانٍ إلا وجهه سبحانه وتعالى، وقد ورد عن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال «اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم» وفي ذلك دعوة صريحة لعدم الانغماس في ملذات الحياة ومظاهر الترف والرفاهية، إذ لا خلاف في أن التمتع بنعم الله المباحة جائز، لكن تركه أو الإقلال منه - زهدا وتواضعا لله تعالى واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم - أفضل وأدعى للثواب.
ومما يؤكد ذلك ما ورد في مسند الإمام أحمد أنه صلى الله عليه وسلم لما أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن قال له: «إياك والتنعم، فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين» صححه الشيخ الألباني، وفي المصنف لابن أبى شيبة عن ابن عمر قال: لا يصيب أحد من الدنيا إلا نقص من درجاته عند الله، وإن كان عليه كريما.
هل جربت عزيزي الطالب العيش بتقشف يوماً واحداً في الأسبوع، أو الامتناع عن تناول الوجبات السريعة لمدة أسبوع، أو حرمان نفسك أو أبنائك أو إخوتك الصغار من الحلويات والشيبسات والشوكولاتات والمشروبات الغازية لمدة أسبوع!
ليس فيما أقوله دعوة للزهد المبالغ فيه أو التقشف الزائد عن الحد، بل الاستعداد لتقلبات الحياة وتعويد النفس على الحد من الطمع والشره والرغبة، وقد قال الشاعر:
والنفسُ كالطفلِ إن تهمله شبَّ على
حبِّ الرضاعِ، وإن تفطمْه ينفطمِ
ولا تعارض بين القول الوارد «اخشوشنوا» وبين قوله تعالى }وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث{ «الضحى: 11» أو قوله صلى الله عليه وسلم «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده»؛ فإن حديث «اخشوشنوا» قد يكون موجهاً لأناسٍ جعلوا سيرتهم وحياتهم العيش في الترف والإسراف، فجاء التنبيه بهذا، وقد يُحمل على أن المسلم مدعوٌّ لإظهار نعمة الله جل وعلا عليه حيث يحب الله جل وعلا أن يرى أثر نعمته على عبده، ومدعوٌّ في ذات الوقت للتقشف والاستعداد لذهاب تلك النعم لو قدّر الله عليه ذهابها، فيكون قد تعوّد على الحياة الخشنة والحياة البعيدة عن الترف ولا يلزم أن تكون حياته دائماً كذلك.

 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA