مساحات شاغرة في الاتصال الدبلوماسي

آفاق أكاديمية

لا شك أن القوة الناعمة سلاح فعّال ومؤثر يحقق الانتشار وكسب الاحترام وتحسين الصورة الذهنية للدول، ويتمثل سلاح القوة الناعمة في ثقافة البلد وصورتها الذهنية لدى الآخرين، فالسينما الأميركية مثلاً إحدى الأسلحة الناعمة لأميركا، كما أن احتضان أمريكا لأكثر من مليوني طالب أجنبي و90 ألف باحث أجنبي في جامعاتها، على سبيل المثال، يعد أحد أبرز صور وأدوات القوة الناعمة الأميركية، ونتيجة لذلك نجد أن أغلب دول وشعوب العالم تكره السياسة الأميركية الخارجية، لكنها تعشق النمط الأميركي في الحياة والتعليم والقضاء بشكل عام.

وقد ظهر مفهوم القوة الناعمة في الولايات المتحدة في ثمانينات القرن الماضي على يد الأميركي جوزيف ناي في كتاب بعنوان «القوة الناعمة.. وسيلة النجاح في العلاقات الدولية»، ورغم أن المؤلف خلفيته العملية عسكرية بحتة، ووصل إلى مناصب رفيعة في المؤسسة العسكرية الأميركية أثناء إدارة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، إلا أنه أثبت في كتابه هذا، أن حروب الولايات المتحدة الأخيرة لم تكن بذلك النجاح، ودعا المؤسسات الأميركية لتفعيل مفهوم «القوة الناعمة» التي تسبق القوة الخشنة المتمثلة بالقوة العسكرية والاقتصادية.

على صعيد بلادنا الحبيبة المملكة العربية السعودية، تابعنا جميعاً تجربة مثالية ونموذجية منذ فترة سابقة، تمثلت في «معرض روائع آثار المملكة عبر العصور»، والذي طاف في عواصم عالمية ومدن أميركية، إذ قدم الآثار الوطنية لهذه الأرض والحضارات التي مرت عليها، وأسهم في إيصال الرسالة وتحسين الصورة، مثل هذه التجربة هي من أسلحة القوة الناعمة وعلينا العمل بشكل منظم ومستمر لإيصالها للعالم، وكلنا يعرف أهمية المتاحف في الدول المتقدمة، وحقيقة لا أعرف إن كان برنامج «روائع آثار المملكة عبر العصور» ما زال مستمراً أم أنه توقف!

جامعاتنا مدعوة لأن تكون إحدى وسائل القوة الناعمة لمملكتنا الحبيبة، ليس هذا وحسب، بل وأن تتصدر المشهد وتقود الجهود، وقد ركزتُ على هذه الفكرة خلال مشاركتي بالندوة التي نظمها قسم الإعلام بالشراكة والتعاون مع جمعية الثقافة والفنون بعنوان «الدبلوماسية الشعبية والاتصال الدبلوماسي» بمشاركة نخبة من زملائي وزميلاتي أعضاء وعضوات هيئة التدريس في القسم، وأكدت خلالها أن الاتصال الدبلوماسي يعد أحد أبرز أدوات القوة الناعمة لأي دولة في العالم، وبإمكانه إحداث التغيير بما يخدم المصلحة الوطنية وتعزيز الصورة الذهنية الإيجابية. 

وأشرت في الورقة المطروحة إلى الأصول التاريخية للقوة الناعمة والدبلوماسية الشعبية، وطالبت بضرورة التفريق بين الدعاية والدبلوماسية الشعبية، من خلال الاتجاهات المستهدفة وقيمة الصدق في إيصال الرسالة للمتلقي، وتطرقت إلى مكانة المملكة عالمياً والتحديات التي تواجه الدبلوماسية الشعبية للمملكة حالياً وفي الفترة القريبة الماضية وتأثيراتها وضرورة مواجهتها، مركزاً على أدوار الجامعات والمؤسسات الأكاديمية والبحثية جنباً إلى جنب مع أعضاء السلك الدبلوماسي السعودي في مشارق الأرض ومغاربها.

وختمت ورقتي بدعوة مؤسسات المجتمع المدني والنخب الثقافية والفكرية للقيام بأدوار إيجابية فعالة تعضد جهود وأدوار المؤسسة السياسية عبر التواصل مع الشرائح النظيرة في الدول الأخرى لخدمة المصالح الوطنية، مشيراً لوجود مساحات شاغرة يمكن أن تستثمر من خلال عملية تواصلية تأتي ضمن استراتيجية طويلة الأمد تعتمد على تنمية العنصر البشري الذي يفهم الآخر ويتعاطى مع ثقافته ولغته.

د. عادل المكينزي

makinzyadel@ksu.edu.sa

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA