«التمكين» رأسمالك الحقيقي

تتردد حاليا عبارة أن «التعليم والتدريب والتوسع في الإنفاق عليهما» أساس التنمية الناجحة سواء بالنسبة للفرد أو المجتمع، وأن كلمة السر للنهوض بالمجتمعات والأمم منحصرة في التعليم ومناهجه وأدواته، وسواء اتفقنا مع هذه الفكرة أو اختلفنا، فإن التركيز على عنصر التعليم النظامي وحده، وتحميل الجهاز التعليمي والتدريبي مسؤولية النهوض بالمجتمع أو تخلفه، لا يخلو من مبالغة.
لا خلاف أن «التعليم» و«التدريب» عنصران محوريان وأساسيان للتنمية البشرية، ولا يمكن التقليل من أهميتهما، لكنهما ليسا كافيين وحدهما لإطلاق مهارات الشباب وتحويل الفرد من خانة الاتكالية والخمول والاعتماد على الغير، إلى خانة العمل والسعي والإنتاج والإبداع والاندفاع وتحمل المسؤولية، بل لا بد من شيء أكبر وأوسع وأشمل وأكثر فاعلية وتأثيراً وهو ما يسمى «التمكين».
التمكين عنصر أساسي من عناصر التنمية البشرية، ويمثل المحصلة النهائية لمشروع «رأس المال البشري الحقيقي» الذي أطلقه البنك الدولي مؤخراً، ويعني ببساطة تزويد الفرد بالمؤهلات الذهنية والروحية، التي تجعله قادراً على صياغة حياته بإرادته وتحقيق أهدافه وطموحاته بنفسه.
في هذا السياق، نؤكد العلاقة التكاملية بين كل من «التعليم» و«التدريب» و«التمكين» باعتبارها «ثالوث التنمية» وركائزه، كما ندعو لأن يستهدف التعليم خلق نوعين من المهارات، سيقودان بالضرورة إلى نوع ثالث، يشكل خلاصة ما نسعى إليه؛ المهارة الأولى «سعة الأفق» بمعنى القابلية الذهنية للانطلاق والإبداع، المهارة الثانية «النقاش ومجادلة الآراء» والقدرة على تأويل أو تفكيك ما يعتبر - في الوهلة الأولى - من البديهيات أو المسلمات.
هاتان المهارتان، تشكلان جوهر مفهوم العقل النقدي، وأساس القابلية للابتكار والإبداع، وهي المهارة الثالثة التي ينبغي أن نعتبرها الغاية العليا للتعليم.
بعض المفكرين والتربويين يكررون طرح فكرة «تعليم النشء» فنون العمل والتفكير والإبداع، ويقترحون إضافة مناهج تعليمية لتحقيق ذلك الهدف، والبعض الآخر، وأنا منهم، لا يرون فائدة كبيرة من تلك المناهج، ما لم تقترن بتدريب عملي واقعي ميداني حياتي، فالعقل الواعي والمفكر والناقد والمبدع لا يتشكل من خلال دراسة كتاب وأداء اختبار في نهاية العام، بل من خلال صياغة عامة لفلسفة التعليم، تشمل المناهج وعلاقة الطالب بالمعلم، وأجزاء العملية التعليمية ككل، لجعل محورها هو استفزاز عقل الطالب «والمعلم معه» للتعبير عما فيه إلى الحد الأقصى، أي تحويل العملية التعليمية ككل، إلى عملية استفزاز للتفكير والتعبير عن الأفكار.
جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية والمهنية لم تقصر في هذا المجال، وقد وفرت برامج تدريبية وتطبيقية ميدانية، لكنها ليست كافية من وجهة نظري، إذ لا تزال تُؤدى بطريقة «نظرية» أقرب منها للعملية، وهي تحتاج إلى تركيز وتكثيف و«معايشة» فردية وجماعية، يتداخل فيها الجانب التعليمي والتدريبي والمهاري والذهني مع العاطفة والميول الشخصية، بإشراف نخبة متميزة من المشرفين والمدربين الميدانيين.
أ. رضوان عدنان بكري

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA