التنمر والابتزاز العاطفي

 

 

 

يتعرض كثيرون حولنا للتنمر وابتزاز العاطفة في البيت أو العمل أو الصداقات من قبل أشخاص مقربين حميمين وعزيزين أوحتى غير عزيزين!

التنمر العاطفي هو نوع من انواع العبث والتلاعب النفسي بين المبتز وضحيته، فقد يكون المتنمر أباً على أسرته أو أماً، أو أبناءً، على والديهم وإخوتهم الأصغر سناً، أو رئيسا لا يفقه في أصول الإدارة شيئاً على مرؤوسيه المميزين منهم!

لا بد إذاً من علاقة بين طرفين أو أطراف يستغلها المتنمر، علاقة وطيدة يتم من خلالها ابتزاز الطرف الآخر مستفيدًا عبرها من نقاط ضعفه لممارسة ابتزازه واستنزاف الطرف الآخر عاطفيًا للسيطرةِ عليه  لتنفيذ رغباته!

والمتنمِر العاطفي شخص أناني لا يراعي مشاعر الآخرين، فاقد للحس والشعور، نرجسي مراوغ! في حين أن الطرف الآخر ضحية الابتزاز العاطفي شخص سلبي أحيانًا، ضعيف الشخصية، فاقد للثقة بنفسه، أو ربما قد يكون طيبًا عطوفًا مضحيًا معطاءً، فيكون فريسة سهلة ويقع عليه الابتزاز دون أن يشعر بذلك بطريقة خفية وأحيانًا غير خفية وجلية!

ما زلت أتذكر قصة عن الابتزاز والتنمر العاطفي لإحدى الزميلات مع ابنها المراهق الذي استغل حُنوها عليه وتدلليها الزائد له كونه وحيدها، بالضغط عليها في تحقيق طلبات تعجز عنها ميزانيتها البسيطة كسيدة مطلقة من رجل سجين مدمن عاطل، ولا نفقة تعينها على إعالته سوى راتبها الضئيل الذي بالكاد يفي باحتياجات المأكل والمشرب بعد أن يذهب أكثره لسداد إيجار المنزل والماء والكهرباء!

وكان في كل مرة يبتزها من مداخل شتى لتذعن لطلباته، فهو يريد سيارة على أحدث طراز مثل زميله ابن رجل الأعمال الفلاني، وتارة يريد مبلغًا كبيرًا من المال وإن اعتذرت وشرحت له الظروف توقف عن الذهاب للمدرسة وهددها بعدم دخول الاختبار النهائي للثانوية العامة، وهكذا هي معه في دوامة من الابتزازات، واتهامها بأنها لاتحبه ولا تفكر في مصلحته وأنها أم مهملة فقط لأنها لم توفر له السيارة والمال!

في العمل تحضرني قصة لزميلة مبدعة ونظامية ومبتكره ورفيعة الخلق، ولكن ذنبها الوحيد أنها لم تحابِ أو تطبل وتُزمِّر وتمتدح رئيستها المباشرة الغير مؤهلة للإدارة يوميا أوتستقبلها كل صباح بمعسول الكلام، لأنها ليست من تلك النوعيات المتملقة المتسلقة على أكتاف الأخريات بالخداع والكلام المضلِل لتغطي على إخفاقاتها في العمل ورداءة مخرجاتها! فكان مصير تلك الزميلة التجاهل والتلويح بالنقل أوعدم ترشيحها لأي دورة أو التلاعب بتقييمها الوظيفي وتشويه صورتها عند زميلاتها القديمات والجديدات!

وأخرى تنمر عليها زوجها عاطفيًا مدة اثني عشر عامًا بالتهديد بحرمانها مما تحب وزيارة أهلها أو توفير متطلبات المنزل إن هي اعترضت على طريقته وسلوكياته المشبوهة وانحرافاته، فرضخت واستسلمت، وعندما وصلت للطفل السادس لم تعد لديها القدرة على  تحمل ابتزازاته العاطفيه وسلوكياته المنحرفة وطلبت الانفصال ولكن بعد فوات الآوان، وبعد إنجاب ستة أطفال أبرياء لا ذنب لهم!

تقول الدكتورة النفسية سوزان فرد دور في كتابها النفسي الثري «الابتزاز العاطفي» الذي أنصح بالاطلاع عليه واقتنائه: «إن الابتزاز العاطفي هو أحد الأشكال الفعالة للتلاعب والذي يهددنا فيه الأشخاص المقربون منا ـ بطريقة مباشرة أو غير مباشرةـ إن لم نفعل ما يريدونهُ فالمبتزون عاطفيًا يعرفون مدى تقديرنا لعلاقتنا بهم ويعرفون نقاط ضعفنا وأعمق أسرارنا في بعض الأحيان، وبغض النظر عن مقدار اهتمامهم بنا فعندما يشعرون بأنهم لن يحصلوا على كل ما يريدون، يستخدمون معرفتهم الحميمة لتشكيل التهديدات التي تعطيهم النتيجة التي يريدونها، ألا وهي امتثالنا لرغباتهم، ولأن الاشخاص المبتزين يعرفون أننا نحتاج إلى الحب أو القبول فإنهم يهددن بأن يمنعوا ذلك عنا أو يسلبوه بالكامل».

وطرحت في كتابها القيم الكثير من التكنيكات والحلول لمواجهة التنمر والابتزاز العاطفي، منها عدم الرضوخ للمُبتز عاطفياً واستشارة أهل الخبرة وتحرير النفس من الخوف وغيرها!

ندى الشهري

جامعة الملك سعود

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA