الترجمة في مجلس الشورى السعودي

يعتبر مجلس الشورى السعودي Conseil Saoudien de la Choura»CSC» جوهر نظام الحكم في المملكة العربية السعودية، وهو سلطة تشريعية تحظى بأهمية كبيرة من قبل القيادة، نظراً لدوره في تجسيد أهم المبادئ الدستورية القائمة على الشريعة الإسلامية.

هذه السلطة ترتبط مباشرة بالسلطة التنفيذية وتعتبر بالإضافة إلى السلطة القضائية مكملة لسلطات الدولة الثلاث، وتعد دستوراً أساسياً في تطوير أنظمة الدولة، حيث يتم العمل من خلالها على مختلف أمور الدولة وتتناول جميع شؤونها الداخلية والخارجية والقضايا والمواضيع بمختلف فروعها وأنواعها وتعالجها من عدة زوايا من خلال دراسات وبحوث علمية متخصصة ودقيقة.

هذه الجهة الحكومية تعتمد على الترجمة بشقيها الشفهي والتحريري بشكل كبير، سواء من خلال أعمال لجان البرلمانات الدولية في المجلس «المرتبطة باللغات الأجنبية» أو من خلال الوثائق الرسمية «تقارير مباحثات برلمانية على سبيل المثال» والأنظمة السياسية المطلوب ترجمتها إلى لغات عالمية مختلفة، وذلك منذ بداية نشأتها في عهد المغفور له الملك عبدالعزيز وحتى يومنا هذا.

فكما هو مدون في كتب وبحوث عنيت بالترجمة في المملكة، جاء الاهتمام الحقيقي بالترجمة مع البداية الرسمية لنشأة مجلس الشورى في 21 صفر 1345هـ الموافق 29 أغسطس 1926م، وكان ذلك بالتأكيد عن وعي وقناعة تامة بضرورة التحاور والتفاوض والتواصل الدولي من أجل معرفة وفهم سياسات وقوانين وثقافات وحضارات الدول الأخرى الأجنبية المختلفة فضلاً عن العلاقات السياسية والدبلوماسية مع تلك الدول المختلفة التي لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال معرفة لغاتها وثقافاتها؛ أي من خلال «الترجمة»، وهنا يأتي دور المؤسسات التعليمية المعنية في العمل على تغطية احتياج هذه الجهة بكوادر وطنية مؤهلة.

طبيعة أعمال الترجمة في المجلس باختلاف أنواعها وأهدافها «كترجمة المراسيم والخطابات الملكية، وغيرها» حَريَّةٌ باهتمام الجهات المعنية بالتأهيل في مجال الترجمة «كلية اللغات والترجمة بجامعة الملك سعود على وجه الخصوص»، وتستدعي من قبل الباحثين في هذا المجال التركيز في المقام الأول على الجوانب اللغوية والترجمية الهامة والأساسية، ليس هذا فحسب بل يتطلب الأمر الوقوف أيضاً على جانبين آخرين هامين هما «المهنية» و«التخصصية» ويجب على تلك الجهات المؤهلة أن ترى على سبيل المثال دور المترجمين كوسطاء لغويين ضمن مجموعة لجان الصداقة البرلمانية.

عدد من التساؤلات لا يجيب عليها في نظري سوى تلك الجهات التي أنشئت في الأساس من أجل تأهيل مترجمين سعوديين؛ من بينها «هل يوجد لدى المجلس احتياج فعلي لمترجمين من أبناء الوطن؟»، «هل المترجمين العاملين حالياً في المجلس بحاجة لدورات تطويرية متخصصة في المجال؟»، «ما اللغات الأكثر ممارسة في المجلس؟»، «هل مخرجات كليات اللغات والترجمة في المملكة قادرين على سد الاحتياج؟»، «هل وجود برنامج ماجستير تخصصي في الترجمة الفورية أو في الترجمة الإدارية والقانونية، يمكن أن يخدم احتياج المجلس؟».

كل هذه التساؤلات وغيرها تتطلب دراسة تطبيقية في ظل النظريات المعاصرة للترجمة لإيجاد حلول منطقية وعلمية تخدم احتياج المجلس لمترجمين، فأعمال الترجمة في لجان البرلمانات الدولية المختلفة تؤكد من جهة احتياج المجلس لمترجمين متخصصين ذوي كفاءات عالية، وتؤكد من جهة أخرى أن الترجمة الشفهية بجميع أنواعها الخمسة «الفورية، التتبعية، الثنائية، المنظورة، والهمسية» تلعب دوراً هاماً جدا في تسيير معظم أعمال لجان الصداقة البرلمانية على وجه الخصوص ويجب أن توكل إلى كوادر وطنية مؤهلة.

هذا بطبيعة الحال، يعد ضمن مهام كلية اللغات والترجمة بجامعة الملك سعود التي أوجدت في الأساس ضمن إطار استراتيجية موحدة للجامعة من أجل تحقيق أهداف محددة أهمها وأبرزها هو إعداد كوادر متخصصة في الترجمة قادرة على خدمة سوق العمل السعودي، فطبيعة أعمال الترجمة في المجلس تختلف تماماً عن أي جهة أخرى في الدولة ولا تخلو في نظري من الصعوبات التي تعيق الأداء الترجمي وتشكل تحد حقيقي لهذه الكلية.

خدمات الترجمة في المجلس تنقسم إلى: ترجمة تحريرية وتشمل «ترجمة ومراجعة الوثائق: الترجمة في مكاتب الأعضاء، ترجمة تقارير المباحثات البرلمانية، ترجمة اللوائح والأنظمة الداخلية للمجلس، ترجمة وثائق الاتحاد البرلماني الدولي»، ترجمة فورية وتشمل «ترجمة المراسيم والخطابات الملكية، ترجمة المؤتمرات واجتماعات المجلس»، ترجمة تتبعية وتشمل «ترجمة ورش العمل، ترجمة الندوات والاجتماعات؛ ندوات واجتماعات الاتحاد البرلماني الدولي»، ترجمة همسية وتشمل «ترجمة اجتماعات المباحثات البرلمانية، ترجمة مناقشات»، وأخيراً ترجمة ثنائية وتشمل «ترجمة محادثات النظراء، ترجمة هاتفية».

جميع هذه الأشكال من الترجمة، تتطلب التفاتة حقيقية من كلية اللغات والترجمة بجامعة الملك سعود على وجه الخصوص، فالاطلاع على حقيقة أعمال الترجمة في مجموعة لجان الصداقة البرلمانية على سبيل المثال من أجل معرفة طبيعة العمل المهنية والكشف عن الصعوبات اللغوية والتحديات الثقافية، ومنح طلاب الكلية فرصة التدرب على أرض الواقع، يعتبر أمراً ضرورياً إذا أردنا أن نؤهل لهذه الجهة الحكومية بالتحديد كوادر وطنية ذات كفاءات عالية، ولا ننسى في النهاية أن مهنية وإبداعية المترجم في المهام البرلمانية وعلاقتهما بنجاح الاتفاقيات الدولية يعتبر أمراً غاية في الأهمية.

ندى مقبول العمري 

ماجستير دراسات الترجمة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA