ثقافة الادخار في المجتمع السعودي

يعتبر الادخار من الأمور المهمة في حياة الأفراد والمجتمعات، فالفرد قد يمر في حياته بمراحل وتقلبات لا يتوقعها أو لا يستطيع تحاشيها، كما أن بعض التقلبات تتطلب وجود وفرة مالية ليتمكن الفرد من مواجهتها ومعالجة أثرها، وبالنسبة للمجتمع يمكن القول إن التنمية الشاملة تتطلب العديد من العوامل لتحقيقها ووصول الاقتصاد القومي لمرحلة النمو الذاتي.

تعتمد نسبة ادخار الأفراد على احتياجاته التي تتنوع بين ضروريات وكماليات، فالضروريات هي الأمور الحياتية الأساسية والأمور التي يمكن التخطيط لها أو يصعب توقعها بالإضافة إلى أن الإنسان بطبيعته تزيد احتياجاته مع تكوين أسرته وزيادة عددها، ولعل من  الاحتياجات الأساسية للإنسان التي ينبغي أن يخطط لها على سبيل المثال شراء مسكن، فالمسكن قد لا يتمكن الإنسان من تحقيقه في عام أو عامين.

والادخار يعتبر ثقافة الشعوب في الدول الصناعية الكبرى، كما يعتبر كذلك في بعض الدول العربية التي عانت من أزمات اقتصادية أو سياسية، وتكاد تكون ثقافة الادخار معدومة في بقية الدول العربية الغنية وعلى رأسها دول الخليج، رغم وجودها لدى بعض فئات مجتمعها الذين يعرفون بشدة حرصهم على ثقافة الادخار إلى حدودها القصوى ويسميها البعض البخل وحب المال، وينطلقون من مبدأ «احفظ قرشك الأبيض ليومك الأسود».

كما أن الادخار أصبح ضرورة تفرضها الظروف الاقتصادية في التوفير وترشيد استخدام الطاقة الكهربائية والمياه وترشيد استخدام السلع مثل السيارات والأجهزة الكهربائية وغيرها عن طريق حسن استعمالها كل ذلك سوف يساهم في ادخار نسبة من الدخل الأساسي.

إن ثقافة الادخار تأتي بعد نشر ثقافة الترشيد في الإنفاق فنبدأ في نشر هذه الثقافة من البيت إلى المدرسة إلى الجامعة إلى العمل، ونحن كمجتمع لن نستطيع تجاوز الأزمات الاقتصادية بدون ثقافتي الترشيد والادخار، وتختلف نسبة الادخار للأسر وفقاً لعدة عوامل منها حجم الدخل، الاستهلاك الذي تحدده العوامل الموضوعية كالأسعار وعدد الأفراد والمستوى الاجتماعي والعوامل الذاتية كحب الظهور والتمتع بالقوة والجاه.

لعل من أهم أسباب النزعة الاستهلاكية لدى المجتمع السعودي تتمثل في عوامل ذاتية لدى الأفراد وهي شعورهم بالقوة والسيطرة كلما زاد استهلاكهم.

معادلة الاستهلاك والادخار تتقارب كون أنهم مجموع «الدخل الكلي»، فتتمثل المعادلة بـ الدخل = الاستهلاك + الإدخار، ويعرف الادخار بتوفير جزء من دخل الفرد أو الأسرة وهو فائض، وعدم إنفاقه إلا عند الحاجة القصوى.

والادخار يتنوع بين ادخار اختياري وفيه يمتنع الفرد عن استهلاك جزء من الدخل دون إجبار فيجد في هذا الامتناع مصلحة له، أما الادخار الجبري فيتولد نتيجة ضغط قوى خارجية اقتصادية أم غير اقتصادية، مثل اقتطاع من رواتب الموظفين ليكون لديه راتب عند تقاعده عن العمل.

وثقافة الادخار لها أهداف عديدة تسعى لتحقيقها على المستوى الشخصي للأفراد والمستوى المجتمعي منها تحقيق أرباح وعائدات تنمي الاقتصاد الوطني، لأن الأموال المدخرة موجهة إلى الاستثمار، وخلق تنمية اجتماعية كامتصاص البطالة وتحسين مستوى الخدمات لأن الأساس في الادخار أنه سلوك موجه للاستثمار وعلى المستوى الفردي يتمثل في الحد من الاستهلاك والبزخ

ومن وجهه نظري أن أبرز أسباب النزعة الاستهلاكية والسلوك التفاخري لدى المجتمع السعودي هو غياب ثقافة الادخار، وهذا ما أشار إليه اقتصاديون أوضحوا أن السعوديين احتلوا أدنى المعدلات خليجياً في الادخار وفقاً لصكوك وطنية للادخار خاصة بدول الخليج. كما أشارت دراسة اقتصادية عام 2015 أن عدد المقترضين السعوديين من البنوك بلغ 62%، وذلك لا يشمل شركات ومؤسسات التقسيط، وهذا يعني إن ثقافة الادخار في المجتمع السعودي تكاد تكون منعدمة!

من أبرز حلول معالجة عوائق الادخار في المجتمع السعودي والتي تأتي بها رؤية المملكة العربية السعودية 2030، تتمثل في رفع نسبة ادخار الأسر السعودية من إجمالي الدخل من 6% إلى 10%، وذلك يأتي بغرس ثقافة الادخار على المستوى الفردي أولاً، فبداية الادخار لابد أن تكون من المنزل بحيث يتم تعليم الطفل على كيفية توفير جزء من مصروفه لأمر آخر يريد تحقيقه.

يعتبر «برنامج ريالي للوعي المالي» أحد أهم البرامج التي أطلقتها مجموعة «سدكو القابضة» ضمن مبادراتها الاجتماعية، ويهدف البرنامج لتعزيز الوعي المالي لدى المجتمع وتطوير مهاراتهم وتزويدهم بالمعرفة التي تمكنهم من مواجهة مسؤولياتهم المالية، كما يهدف إلى توعية المجتمع بمبادئ التخطيط المالي وإعداد الميزانيات وغرس ثقافة الادخار.

يسهدف برنامج ريالي الوصول لأكثر من مليوني مستفيد حتى عام 2020م، ويقدم البرنامج العديد من الدورات في الوعي المالي ولرواد الأعمال للوعي المالي، ويتيح تطبيقاً على الأجهزة الذكية، وحصل البرنامج على عدة جوائز منها جائزة الخليج للاستدامة والمسؤولية الاجتماعية عام 2019، وجائزة تقنيات التعلم في المملكة المتحدة عام 2018، وجائزة رواد التواصل الاجتماعي العرب فئة الاقتصاد عام 2015.

خلود فرج الشهراني

قسم إعلام

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA