متى يكون الاتصال استراتيجياً؟

في المقالة السابقة التي تم نشرها بهذه الصحيفة الغراء بعنوان «الاتصال والاستراتيجية... من يحتاج إلى من؟» أوضحت كيف سعت علوم الاتصال والإعلام إلى الاستراتيجية باعتبارها علوماً مستحدثة مقارنة بعلوم الاستراتيجية، وكيف عملت على توظيف الاستراتيجية لدعم نجاح الخطط الاستراتيجية للدول والمؤسسات، وهو ما أثمر عن ظهور مصطلح «الاتصال الاستراتيجي» الذي شاع استخدامه.

واختتمت تلك المقالة بالإشارة إلى أن الاتصال الاستراتيجي هو منهج تخطيطي شامل يستخدم أنواع التواصل لتحقيق أهداف اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية بشكل مباشر أو غير مباشر، بهدف تحقيق التغيير الإيجابي على مستوى الجمهور المستهدف، أو كسب التأييد للضغط على صناع القرار أو تقديم خدمات ترتبط بالبيئة المحلية.

وحقيقة هناك سؤال فرض نفسه بقوة في حديثنا في المقالة السابقة عن الاتصال الاستراتيجي، خاصة وأن الدول والمؤسسات تقوم بالفعل بعمليات الاتصال، وتحرص عليها، فهل هي بذلك تتواصل استراتيجياً؟ أو بالأحرى متى يكون اتصال الدول أو المؤسسات اتصالاً استراتيجياً يدعم تحقيق أهدافها الاستراتيجية؟!

لقد تناول خبراء الاتصال الإجابة على هذا السؤول، وذكر العديد منهم أن الاتصال الذي تقوم به الدول أو المؤسسات يكون استراتيجياً يخدم أهدافها على المدى القريب والبعيد يجب أن يتضمن عدد من الخصائص؛ منها: أن يكون تخطيط الاتصال طويل الأمد، ويدعم الخطة الاستراتيجية، ويهتم بأصحاب المصلحة، ويهتم بالرسالة وأثرها على الجهات المستهدفة، ويحرص على توظيف أنواع الاتصال المختلفة، ويسعي باستمرار  للتأثير الإعلامي على المتلقي، وتكوين رأي مؤيد، ويدعم الصورة الإيجابية والسمعة المؤسسية، وأن يكون مبادراً وليس ردود أفعال، وأن يضمن تدفق المعلومات والبيانات، ويهتم بمصادر التمويل لاستمرار تنفيذ الخطط.

ويري العلماء أن الاتصال حتى يكون استراتيجياً يجب أن يتوفر فيه عدد من الشروط من أهمها الآتي:

• التخطيط: بمعنى بناء خطة اتصال يشارك فيها المعنيون، ووجود رؤية طموحة، مثل المساهمة في نجاح المؤسسة، أو ترسيخ سمعتها. 

• الهوية: بمعنى أن يهتم الاتصال بتقديم المؤسسة للآخرين والتعريف بهويتها «من نحن؟» وجمهورها المستهدف «ماذا نقدم أو ماذا نريد من الجمهور؟«.

• السمعة المؤسسية: بمعنى الاهتمام بنشر مميزات المؤسسة «ما الذي يميزنا؟» وآراء المجتمع.

• الشمولية: بمعنى أن تعبر خطة الاتصال عن كافة أهداف المؤسسة، وبالقدر الذي يتطلبه كل هدف.

• الاستمرارية: بمعنى ديمومة التواصل مع كافة الجهات المعنية، وعدم تباعد عمليات التواصل.

• الاهتمام بالجمهور: بمعني فهم خصائص الجمهور، واحتياجاته، وإمكانات المؤسسة لتحقيقها.

• تحديد الأولويات: بمعنى دراسة خطة المؤسسة، وتشخيص بيئة التنفيذ، وإعداد خطة التهيئة لدعم الإجراءات المتوقعة التي سوف تقدم عليها المؤسسة لتحقيق أهدافها.

• التوظيف الشامل: بمعنى توظيف كافة أنواع وقنوات الاتصال للتأكد من الوصول للجمهور. 

• الرسائل الهادفة: بمعنى اعتماد رسائل تخدم أهدافاً محددة، ويتم بثها عبر قنوات وبأشكال متعددة.

• التوقيت المناسب: بمعنى اختيار التوقيت المناسب لتنفيذ كافة الإجراءات بخطة الاتصال.

• تعدد جهات التنفيذ: بمعنى مشاركة جهات متعددة في تنفيذ خطة الاتصال، وتحديد دور كل جهة.

• الاقناع والتأثير: بمعنى أن الاتصال لا يهدف إلى مجرد نقل المعلومات والبيانات وغيرها رغم أهميتها، بل يسعى لإقناع المتلقي والتأثير عليه لاتخاذ موقف أو سلوك محدد.

• تغيير سلوك: بمعنى أن يسعى إلى تغيير سلوك الجمهور أو تكوين رأي عام موافق للدولة أو المؤسسة.

• الثقافة المجتمعية: بمعني مراعاة ثقافة المجتمع والتعبير عن نقاط الالتقاء بين المؤسسة والمجتمع.

• القياس: بمعنى الحرص على قياس نجاح الرسائل الإعلامية لتحقيق التأثير المطلوب.

ويحدد خبراء الاتصال الاستراتيجي عدداً من القضايا المؤثرة في عملية الاتصال على المدى البعيد والتي تميز الاتصال الاستراتيجي عن غيره من أنواع الاتصال، وهذه القضايا تشمل: تحليل بيئة الاتصال الداخلية والخارجية، وتحديد أصحاب المصلحة أو المستفيدين من نشاط الدولة أو المؤسسة، والسعي إلى التأثير في الآخرين، إضافة إلى التواصل المجتمعي المستمر لضمان الحصول على التأييد.

ورغم أهمية الاتصال الاستراتيجي ودوره في دعم الخطط الاستراتيجية للدول والمؤسسات، إلا أنه قد يواجه صعوبات تؤثر في فعاليته وقدراته، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي: قلة الكوادر البشرية المتخصصة، ونقص الدعم المالي لتنفيذ خطة الاتصال، وتخلي قيادة المؤسسة عن دعم خطتها الاستراتيجية، وقلة تعاون أعضاء المكتب التنفيذي PMO، إضافة لانخفاض مؤشرات السمعة الداخلية أو الخارجية، وتدني دور الدولة أو المؤسسة في القضايا الإنسانية أو الشراكة المجتمعية.

ولعلي بمشيئة الله أتحدث في مقال قادم عن سؤال محوري في عمل الاتصال الاستراتيجي، وهو «من الرابح والخاسر في الاتصال الاستراتيجي».

د. طه عمر

مستشار إعلامي لوكالة الجامعة للتخطيط والتطوير 

DrTahaomar@

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA