الغربة ولوعتها

يعاني كثير من الناس المغتربين من حُرقة الغربة ولهيبها سواء كانت بلاد الغربة جنة لهم أو جحيمًا، فأما كونها جحيما ويشتاق المغترب عندئذ إلى وطنه، فذلك واضح، لأن طبيعة الإنسان تكره سوء الأحوال، وسوءَ المعاملة، وأما كونها جنة له ثم يشتاق المغترب إلى وطنه، فذلك عائد إلى أسباب، منها الحب الدفين للوطن، إذ لا أخال أن أحدًا كائنًا من كان، لا يحب وطنه حتى وإن طُرد منه، أو ظُلم فيه، فهذا الحب كامن في نفس كل مواطن.

عندما تنظر إلى هذا الحديث نظرة ثاقبة فستدرك مغزى كلامي! قال صلى الله عليه وسلم عند إخراجه من مكة: «ما أطيبك من بلد وأحبّك إليّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنتُ غيرك».

إذا تأمّلت هذا الحديث ستدرك أن ذاك الحب يكمن في كل مواطن ولو كان مطرودًا شريدًا.

وقولنا «الحب الدفين» لأن الإنسان قد لا يعرف مدى هذا الحبّ إلا إذا اغترب عن وطنه، فكأنه مدفون تنبشه الغربة!

ومن الأسباب أيضاً الشوق إلى الأسرة؛ إن المرء السوي العاقل مهما طابت له غربته وانقاد له كل ما يطلبه فيها، فإن عدم العيش مع الأسرة يفقده لا محالة من ذلك، ويشتاق إلى أسرته بين فينة وأخرى، أحيانا إذا تذكر معايشتها وقارن بينها وبين ما أدى به إلى الغربة تغرورق مقلتاه بدموع باردة، وكأن المغترب يهادن ويسالم مع هذه الدموع الباردة قائلاً: سينجبر كسري عندما أعود إلى الأسرة والوطن، وأعين المحتاج وآخذ يد الجاهل في المجتمع من ضلاله وغيّه، فأكون في المجتمع بلسمًا ناجعًا نافعًا، فهذه الأفكار تُخمِد لهيب الغربة في قلب المغترب العاقل.

الغربة هي الغربة مهما كانت، ولكن المغترب الحق يقف تجاه تحدياتها ويحاول أن يجد لها حلّا ولا يتوانَى في سبيلها. ألست تتساءل أيها المغترب لماذا اغتربت؟ وماذا سأحقق نتيجة هذه الغربة؟

إذا كنت تتساءل وتذكر نفسك بهذين السؤالين ستتغير أفعالك وتصرفاتك إلى ما هو أحسن بإذن الله، وهذه المحاسبة لها أهمية كبرى في حياة الإنسان فإنها تعينك في تخطيط أمورك.

أيها المغترب -رعاك الله- اجعل لنفسك غرضًا ترمي إليه، واجعل في ذهنك أنك مسؤول عن مجتمعك فاسع لإصلاحه قدر استطاعتك فإن صلح فأنت مصلحه وإن كان غير ذلك؛ فلا تلومَنّ إلا نفسك! 

 

كوليبالي عبدالله

معهد اللغويات

ساحل العاج

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA