التغيير

زاوية: آفاق أكاديمية

 

 

 

شبّه جيم كولنز التغير نحو الأفضل في كتابه «من جيد إلى عظيم» بعملية دفع عجلة ثقيلة، حيث إنك عندما تبدأ في دفعها تحتاج إلى قوة كبيرة، ثم مع استمرارك في دفعها في نفس الاتجاه فإنها تدور بسرعة أكبر وجهد أقل، وهكذا، وقد لا تحتاج منك بعد ذلك إلا إلى التوجيه والمتابعة، بمعنى أن النجاح يأتي نتيجة أعمال كثيرة متلاحقة ومتراكمة وجميعها تدفع العجلة في نفس الاتجاه، لا نتيجة حظ أو عمل واحد خارق.

كتاب «من جيد إلى عظيم - Good To Great» هو خلاصة بحث قام به فريق جيم كولنز، واستمر خمس سنوات بهدف الوقوف على الأسباب والعوامل التي تجعل الشركات والأشخاص والمدراء والقادة ينتقلون من المستوى الجيد إلى المستوى العظيم والنجاح الكبير.

اختار الكتاب مجموعة من الشركات الأمريكية التي استطاعت أن تحقق أرباحًا عظيمة وزيادة كبيرة في أسعار أسهمها خلال خمسة عشر عامًا تزيد ثلاثة أضعاف عن زيادة مؤشر السوق، من خلال مديرين متميزين وفريق عمل متكامل، مع مقارنتها بشركات أخرى لم تستطع أن تحقق تلك القفزة، وتحديد الأسباب والعوامل التي أدت لذلك.

النتيجة كانت أن وراء ذلك النجاح والتغيير نحو الأفضل أشخاصاً متميزين لديهم إصرار على النجاح مع تواضع وأخلاق رفيعة وصبر وإصرار، وثقافة عمل حرة ومنفتحة، ورؤية واضحة لما ينبغي فعله وما لا ينبغي فعله.

وأفضل الدروس التي يمكن استخلاصها من هذا الكتاب هي أهمية التركيز على اختيار المديرين والموظفين الذين يتمتعون بصفات رائعة، ولديهم حماس وانضباط وحب للعمل في فريق ورغبة في تحقيق النجاح.

كما أن النجاح يحتاج لصبر وإصرار ومثابرة، فالأمر لا يأتي عن طريق فرصة واحدة تستغلها أو اختراع واحد، بل هي عملية طويلة متكاملة، والتميز والتقدم لا يأتي بالضرورة من أناس عباقرة عمالقة وإنما من بشر مثلي ومثلك، ولكنهم كلهم يديرون العجلة في نفس الاتجاه وكلهم ينظر لها عندما تدور وهو فخور بها.

الكتاب يتحدث عن قادة ورواد أعمال متواضعين ولديهم حرص وإصرار على نجاح المؤسسة نجاحًا باهرًا، فهم لا يتباهون بأنفسهم ولا يبنون مجدًا شخصيًا، ولا يرضون لمؤسساتهم بما هو جيد بل يريدون لها أن تكون عظيمة، فلنمحُ فكرة المدير المتعجرف سليط اللسان ولنبحث عن مدير متواضع يستطيع أن يبني فريقًا ويستطيع أن يجعل العاملين يبدعون.

وثقافة العقاب والتهديد حسب الكتاب لا تصلح للشركات العظيمة، بل ثقافة الحرية والتقدير مع الانضباط الذاتي والتركيز على الاستمرارية وبناء صف ثانٍ قوي يهدف إلى بقاء واستمرارية الأداء القوي والناجح، فلا يُعقل أن يسعى المدير الناجح إلى تحقير مرؤوسيه ليضمن البقاء في منصبه، ولا يصح أن يحاول المدير إخفاء المعلومات عن مرؤوسيه لكي يظل هو الوحيد الذي يمتلك المعلومات.

ربما لا تكون رئيسًا لشركة وربما لا تكون مديرًا كبيرًا في مؤسستك، ولكن يمكنك فعل الكثير، يمكنك أن ترتقي بعملك من جيد إلى عظيم، يمكنك أن تحوّل مستواك الدراسي من جيد إلى عظيم، يمكنك أن تطبق أفكارك الريادية وتحولها إلى نجاحات وإنجازات، ومن يدري ربما تصبح يومًا ما رئيسًا لشركة كبيرة وتُطبِّق ما قمت به من قبل على الشركة كلها، أو ربما تؤلف كتابًا بعنوان «شركات عربية من جيدة إلى عظيمة».

د.عادل المكينزي

 

makinzyadel@ksu.edu.sa

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA