وقفات أكاديمية

أول 100 يوم في حياة الطالب الجامعي
د. خليل اليحيا - كلية الطب

«أول 100 يوم» عبارة شائعة أصبحت عرفاً تقليدياً في المجال السياسي والاقتصادي، وفي مجالات أخرى كالمجال الرياضي والأكاديمي، حيث يكون تداولها كمعيار ومؤشر للأداء والإنجاز. وباتت هذه العبارة تشكل هاجساً قد يكون إيجابياً محفزاً للأداء، وقد يكون سلبياً يعمل على إضافة المزيد من الضغوط التي تربك الإنسان وتصرفه عن تحقيق الأهداف الرئيسية. تقول هيلدا قولد مديرة المشاريع في شركة «First 100» في مقالها المنشور في مجلة التدريب عن أهمية أول مائة يوم: «قبل عقدين من الزمن، سمح للمدير التنفيذي المعين حديثًا بترف فترة الاستقرار لمدة ثلاثة أشهر، لقد ولت تلك الأيام. يتم الآن إصدار الأحكام بسرعة أكبر بكثير» . وتضيف السيدة قولد: «تعتبر إنجازات القائد في المائة يوم الأولى بمثابة مؤشر على إمكاناته القيادية في المستقبل».
يمكن أن تكون أول 100 يوم في أي تخصص جديد أو في أي مكان جديد بمثابة تحدي لإثبات الوجود ولتحقيق إنجاز وتقدم شخصي ومهني، ولذا من الأهمية أن يعد الطالب والطالبة أنفسهم جيدًا والقيام بإعداد خطة عمل تعتمد على عدة نقاط واستراتيجيات تضمن لهم تحقيق الحد الأدنى من الإنجازات الشخصية والمهنية،أو على الأقل امتلاك الأدوات التي تختصر المسافات وتساعد على تحقيق الحد الأعلى من الإنجازات والأهداف.
وتاريخياً، يعتبر الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت هو أول من ابتكر مصطلح «المائة يوم الأولى»، وذلك عندما وعد الشعب الأمريكي بإطلاق عدة مبادرات رئيسية لمواجهة الركود الاقتصادي في منتصف الأربعينيات، حيث يشير الأستاذ عصام الفيلالي في كتابة بعنوان «خطة المائة يوم للقيادات الإستراتيجية» إلى أن تلك المائة يوم الأولى للرئيس الأمريكي روزفلت قد أصبحت فيما بعد تستخدم لمعايرة الإنجازات التي يحققها الرئيس الأمريكي الجديد، ثم بعد ذلك أصبح هذا المصطلح مرافقاً لكل رئيس أمريكي جديد يتم انتخابه، حيث يتم رصد وتقييم أداء هذا الرئيس الجديد وجودة قراراته من خلال الأيام المائة الأولى من فترة حكمه. بل إن هذا المصطلح أصبح معياراً ومؤشراً لرصد وتقييم أداء الرؤساء التنفيذيين للشركات ومدراء الجامعات والمؤسسات المالية ومدى وضوح خططهم وتوجهاتهم الإستراتيجية ونمط العمل الإداري لديهم.
وعندما نريد أن نستخدم هذا المصطلح للطلاب بشكل عام، فذلك لأن حياة الطالب الدراسية والشخصية تمر بعدة تحولات ومنعطفات تعمل على تشكيل شخصيته الذاتية وبناء حيويته الفكرية والمنهجية، وهذه التحولات والمنعطفات تحمل معها الكثير من التحديات والمعوقات التي قد تعمل على انحراف الطالب عن مساره المثالي المطلوب، ودخوله في متاهات ذاتية أو فكرية أو منهجية أو سلوكية قد لا يمضي معها بعيداً في تحقيق نجاحاته وأهدافه المرحلية والمستقبلية.
ولعل واحدة من أهم المنعطفات في حياة الطلاب هي تلك تلك المرحلة الانتقالية التي ينتقلون فيها من المرحلة الثانوية بكل ما تحمله هذه المرحلة من بساطة في التفكير وعفوية في السلوك إلى المرحلة الجامعية، بما فيها من شمولية ونضج وتكلف والتزام، ولهذا يتعرض الطلاب عادة  في هذه المرحلة الانتقالية إلى بعض الاضطرابات والاحباطات التي قد تؤثر على مستوى وجودة التحصيل العلمي والأكاديمي، ولذا أصبح من الضروري أن يدرك هؤلاء الطلاب أهمية الأشهر الأولى من حياتهم الجامعية وأن يستعدوا لها جيداً بتعلم وتنمية مجموعة من المهارات والاستراتيجيات التي تضمن لهم تجاوز هذه الفترة بسلام دون ضرر واضح أو فكر مرتبك.
ولعلي في المقالات القادمة أستعرض بعضاً من تلك الاستراتيجيات والأولويات والمهارات التي أنصح الطلاب بتدوينها وتعلمها والعمل على تنميتها وامتلاكها لتكون خارطة طريق تضيء لهم المسارات المثالية التي ينبغي عليهم السير فيها لتجعل من المرحلة الجامعية تجربة  فريدة ورحلة جميلة مليئة بالنجاحات والإنجازات.

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA