وقفات أكاديمية

تغيير ذهنية الطالب الجامعي
د. خليل اليحيا

بيئة الحياة الجامعية وثقافتها تختلف جذرياً عن بيئة وثقافة التعليم العام، حيث يذهب الطلاب عادة للجامعة وهم يحملون قدرًا أكبر من النضج الفكري ومن الخبرة المعرفية المتراكمة من سنوات التعليم العام، وهذا ينعكس بالضرورة على حجم التوقعات والطموحات والدوافع التي تكون عادة في مستويات عالية كمحفزات إيجابية للحياة الجامعية. هذه المحفزات الإيجابية يصاحبها على الطرف الآخر وبشكل متنامٍ قدر كبير من الضغوط والإخفاقات والإحباطات، وذلك في حال فشل الطالب/الطالبة في التعامل مع هذه المحفزات بشكل منطقي وسليم. ومن أجل هذا نجد أن تغيير الذهنية وتفعيلها للأفضل وإكسابها القوة يعتبر عاملاً مؤثراً وضرورياً للتعامل مع مختلف المواقف والظروف والتحديات في الحياة الجامعية.
الذهنية لها تعريفات عدة ملخصها أنها مجموعة الأفكار والمعتقدات التي تشكل نمط التفكير للإنسان، حيث يؤثر هذا النمط على طريقة تفكير الأشخاص ويسيطر على سلوكياتهم وعلاقاتهم ورؤيتهم للعالم من حولهم. هذا النمط من التفكير قد يكون أداة إيجابية يمكن استثمارها لتحقيق نجاحات شخصية سواء في النواحي الأكاديمية أو المهنية، والتي تساعد كثيراً في بناء شبكة من العلاقات والصداقات التي تكون مؤشراً لشعبية وتميز الشخص، وبالمقابل قد تكون أداة سلبية تعمل على إنطواء الأشخاص وإنكفاءهم على أنفسهم وبالتالي تتابع إخفاقاتهم وفشلهم.
انتقال الطالب/الطالبة من المرحلة الثانوية ببساطتها وعفويتها للمرحلة الجامعية الأكثر تعقيداً في مناهجها وأجوائها ومتطلباتها يستلزم تغييراً للذهنية لمواكبة هذا الإنتقال والتأقلم مع متطلبات الحياة الجامعية، فالتفوق والنجاح في المرحلة الثانوية قد لا يتكرر بنفس القدر في المرحلة الجامعية طالما لم يكن هناك محاولات لتغيير الذهنية وتحديثها لتناسب التحديات القادمة. تقول كارول ديويك أستاذة علم النفس في جامعة ستانفورد، «الإعتقاد السائد بأن المتفوقين البارزين يولدون بموهبة فائقة وأنّ لديهم عقلية ثابتة هو اعتقاد مسئول عن قدر كبير من القلق والفشل في التعلم».
الذهنية الثابتة غير القابلة للتغيير والتحديث تخلق الكثير من المشاكل للطلاب، فالطالب المتفوق يعتقد أنه على قدر من الذكاء والموهبة تمكنه من التفوق والنجاح، وهذا الاعتقاد يجعله عرضة أحياناً للإخفاق والفشل وعدم تحقيق الطموحات المتوقعة، مما يجعله يدخل في مرحلة الشك والرفض لأي مساعدة أو توجيه، ويكون في مزاج سلبي يجعله في وضع صدام وخلاف مع أساتذته وزملائه. هذه النوعية من الذهنيات تبالغ كثيراً في تقدير ذواتها وذكائها، فتعتقد أنها ليست بحاجة للعمل المستمر والتخطيط المبكر والمثابرة الدائمة، كما أنها ليست بحاجة لتغيير استراتيجياتها في الدراسة، فتبقى على نفس النمط التقليدي الذي كانت تمارسه في المرحلة الثانوية، وعندما يحصل لها إخفاقات مستمرة بسبب هذه الذهنية الجامدة تدخل في أزمات نفسية، وتسعى لتغيير المكان أو البيئة أملاً في تغيير الوضع، بينما كان الحل الأمثل والأسهل هو تغيير الذهنية لمواكبة التغيير الحاصل في العملية الانتقالية من المرحلة الثانوية للمرحلة الجامعية.
وعلى النقيض، الذهنيات القابلة للتغيير والتجديد تؤمن أن النجاح يأتي من استمرار النمو الذهني والجهد البدني دون الاعتماد فقط على الموهبة الذاتية، وتؤمن أيضاً أن الأخطاء جزء من ثقافة التعلم، ولذلك هذه الذهنيات عادة تسير في تصالح مع أنفسها وتسعى لتحسين أدواتها ومهاراتها لحصد المزيد من النجاحات والإنجازات. يقول السيد بلاك ويل وآخرون في بحث علمي عن نظريات الذكاء الضمنية إن «تعزيز عقلية النمو لدى الطلاب يرتبط بنجاحهم بشكل عام في المدرسة وفي الحياة، حيث يعتقد الطلاب ذوو عقلية النمو أنهم قادرون على تطوير ذكائهم ومهاراتهم».
تحدثت قبل سنتين مع مجموعة من طلاب الطب في السنة الأولى، وكان السؤال المعتاد عن أفضل طريقة للنجاح في الكلية، فأخبرتهم أن الذهنية التي جئتم بها من المرحلة الثانوية قد لا تساعدكم في المضي بعيداً لتحقيق أحلامكم ما لم يتم تعديل وتغيير هذه الذهنية وجعلها أكثر مرونة لتناسب المرحلة الحالية بكل متطلباتها وتحدياتها وظروفها.
يشعر كثير من المسؤولين في كليات الطب على مستوى العالم بالقلق تجاه معدلات الإنسحاب من الكلية وعدم استمرار الطلاب في دراسة الطب والتخرج منها كأطباء، حيث قامت دراسة علمية أجراها الدكتور بريجت ماهر وآخرون في العام 2013 برصد أسباب التسرب والانسحاب من كلية الطب على مدى عشر سنوات، ووجدت الدراسة أن الصراع الأكاديمي والعزلة الاجتماعية والغياب المتكرر والاكتئاب من أهم العوامل التي تدفع الطلاب للإنسحاب من الكلية والتحويل لكليات وتخصصات أخرى، وتعزو الدراسة حدوث ذلك إلى تأخر الإرشاد الأكاديمي في التدخل المبكر ومعالجة الخلل في فهم الطلاب لطبيعة وأهمية المرحلة الحالية والتعامل الواقعي مع متطلبات الكلية. وألمحت الدراسة إلى وجود قصة شخصية خلف كل تسرب أو انسحاب. هذا الهاجس عند كليات الطب على مستوى العالم يؤكد على أهمية تغيير الذهنية للطالب/الطالبة وتطويرها للتوافق مع متطلبات الكلية والانسجام معها واجتيازها دون معوقات أو إحباطات قد تؤثر على مسيرتهم الأكاديمية.
إن تغيير الذهنية يعني التعامل مع متطلبات وظروف الكليات والأقسام والتخصصات بواقعية كبيرة دون مبالغة في الأحلام، ودون الاستسلام للتحديات التي قطعاً ستواجه الطلاب الجامعيين. كذلك الذهنية تعني التعامل مع الأفكار الخاطئة عن التخصص وذلك بشكل منطقي وعدم التأثر بهذه الأفكار أو الركون إليها، والتي قد تؤثر على المدى البعيد في استقرار الطالب/الطالبة في حياتهم الجامعية والسير بشكل معتدل باتجاه النهايات الجميلة.
ابدأ في تغيير ذهنيتك والتفكير بشكل منطقي، والتعامل مع المرحلة الجامعية بكل متطلباتها وتحدياتها وطموحاتها بشيء من الواقعية والانضباط والمثابرة.

كلية الطب
alkhaleel@ksu.edu.sa

 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA