باقة حب للوطن

 

 

 

قلت:

يحميكِ ربُّ البيتِ يا أرضَ الوطن

من كلِّ مكروهٍ ومن كلِّ الفتن

وأدام رايةَ عِــزنا خــفّاقـةً

تجـلو ظلام التـيهِ والفكـرِ العفــن

وبعد، «اليوم الوطني» مناسبة تحرك روحي وأحاسيسي؛ فلا أملك أمامها إلا أن أعيش الحدث، لا أملك إلا أن أكتب..

«المملكة العربية السعودية» اسم له ما له من الثقل والفخامة، اسم لم يأت من فراغ، ويكفي أن من اعتمده وأطلقه ليسطَّـرَ في سجل التاريخ هو المؤسس الموحد صاحب الفضل بعد الله في نشوء هذا الكيان وتثبيت أطنابه واستقراره، البطل المناضل «صقر الجزيرة» عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمة الله عليه ورضوانه، وذلك عام 1932م بعد أن ضم بقية أرجاء البلاد إلى ملكه، وقد كانت -فقط- نجد والحجاز.

يأتي يوم 23 سبتمبر من كل عام يومًا وطنيًا للسعوديين تتجدد فيه ذكرى ذلك الحدث العظيم؛ فبعد الشتات وشتى المحاولات منذ عام 1902م، استوى للملك عبدالعزيز توحيد مدن البلاد، وهذا التوحيد لم يأت إليه على طبق من فضة بلا جهد وعناء، بل جاء بالإصرار وبالعزيمة ومواصلة الجهاد، بهمّة الرجال وعَـرَق الجِباه، والكر والفـر عبرالصحاري والفلوات، تحت حر الشمس في القيظ، وتحت وبل السماء في زمهرير الشتاء.

إنها ذكرى غالية لقصة كفاح ما يزال الأجداد يروون تفاصيلها لأبنائهم وأحفادهم حتى اليوم ويُكبرونها؛ فيغرسون بذلك فيهم تقدير ذلك الجهد، وحب هذه الأرض، والمنتظر من هؤلاء الأبناء الذين منَّ الله عليهم أن ولدوا ونشؤوا على أرض قد استقرت أركانها، ونبعت خيراتها، مع أمن يعم أرجاءها، يُنتظرمنهم - جيلاً بعد جيل - أن يكونوا عبر الزمن حراسها، وعدتها وعتادها، ورافعي رايتها وصانعي مستقبلها.

إن الحب الحقيقي للوطن من الإيمان، وطبيعي وجميل في آن أنْ تضج المشاعر بذلك؛ فتُسطر له العبارات، وتُردد له الشعارات، وتُنظم القصائد، وتُغنى الأحاسيس؛ فالوطن غالٍ ويستحق الكثير، والمزيد المزيد، ولكن ما أتمناه وغيري -إضافة إلى ما سبق- وأدعو إلى التركيز عليه لأهميته هو أن لا ندع المناسبة تمر شكليًّا وحسب، بل أن تُستثمر فعليا وذلك ببث مفاهيم الولاء والعطاء للوطن وصورهما، وأن حبه ليس مجرد عَلمٍ على الأكتاف يرفع أو في الأيدي يحمل، ولا مجرد عباراتٍ تُحفظ وتُردد، ولا قصائدَ تُنظم وتُنشد، ولامشاعر تُستثار وقتًا ثم تخمد، إنما هو - مع كل ذلك وقبله- سلوك وأفعال ونظام حياة.

لا شك في صدق المشاعر والنيات، ولكن بعضهم ينقصه «التفعيل»؛ فيكون بهذا حبًا مع وقف التنفيذ، في حين أن الحب الصادق الفاعل هو الذي يصدق القولَ فيه العمل، نعم، هو الذي تترجمه الأفعال؛ فاعتزازي بهويتي الدينية واللغوية والوطنية أسمى صور الحب، وأن أدع العصبية المنتنة المفرقة من أهم صور الحب، وأن أغار على سمعة وطني ومكانته حب، وأن أخلص في عملي وأراقب الله فيه حب.

وأن أحارب الفساد ابتداءً من نفسي حب، وأن أجند نفسي لما فيه رفعة وطني حب، واحترامي النظام وأن أكون خير قدوة للزائر والمقيم حتى يصبح – وبلا رقيب- ملتزمًا بالآداب والقوانين حب، وأن أحافظ على مكتسبات الوطن حب، وأن أمثل وطني خارجَه خيرَ تمثيل حب، وأن أرفض عبارات التثبيط والإحباط وزعزعة الثقة حب، وأن أشارك في الأعمال التطوعية وأدعمها حب، وأن أحافظ على بيئته الفطرية بكل مافيها حب، وغير ذلك كثير؛ فحب الوطن مشاهدُ ولوحات يصعب حصرها.

إن المرءَ - كما هو معروف - قليل بنفسه كثير بإخوانه؛ ولذا فإنْ عَملَ كلٌّ منا على نفسه؛ فسيكون تلقائيًا مؤثرًا في محيطه، وحينئذٍ سيشكل أفراد المجتمع معًا مجتمعًا فاعلاً، ووطنًا متقدمًا.

ختامًا، أردد معكم أبياتًا في الوطن للشاعر السعودي حسن بن محمد الزهراني يتكلم فيها بلسان كل محب:

يا موطني، كيف أُبدي عِشقَ قافيتي

ولست وا أسفي بالشاعـرِ اللَّسِـن

فتحتُ عيني فكنتَ النورَ ياوطنًا

شرِبتُ عشقَـك في مهدي مع اللبنِ

فما أنا غيرُ جزءٍ منك تَحمِلُني

بكلِّ عطفٍ، وأنت الروحُ في بدني

 

دمت يا وطني رافعًا كلمة التوحيد عامرًا سورها!

أ. الجوهرة بنت عبدالعزيز المعيوف

قسم اللغة العربية وآدابها

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA