سُرِقنا أم سَرقتنا برامج التواصل؟

 

 

تمر الكثير من المواقف التي قد تجعلنا في حالة من التفكير العميق وربما تصل إلى التعجب في سببها وأبعادها وعواقبها التي نخشى أن تصل إلى عواقب لا يحمد عقباها، تماماً كعدد من المواقف استوقفتني مع البعض في المجالس والمناسبات الاجتماعية فأجد أقلية من الحاضرات خاصةً من هم بعمر المراهقة وأكبر غارقات بعوالمهم الافتراضية كُل على حدة، قد سرقتهم أجهزتهم هذه السويعات التي نقضيها مع الأهل والأقارب.

ومما جعلني أتعجب أكثر: هل لهذه الدرجة دخلنا دائرة الإدمان؟ أو هل هذا الحديث أو المقطع أو التصفح العبثي مهم لدرجة أن لا يتأجل بضعاً من الساعات ريثما ينتهي لقاؤنا مع الأهل والأحباب!

قد أجد هذه الأنثى قد لبثت ساعات في التجمل ولبس ما يليق للمناسبة، ولكن يسرقها هذا الجهاز أكثر من نصف الوقت وربما جُلّ الوقت، فقد يصل بها الإدمان الذي قد يجعلها في عالمها اللاواقعي لتصبح في حالة لا تعي ما يدور حولها من حديث! ألهذه الدرجة سرقَتنا أجهزتنا من عوالمنا الواقعية إلى العالم اللاواقعي!

وكما نعلم ولا يخفى على الجميع فائدة برامج التواصل الاجتماعي، ولكن لا ننكر أنها سلاح ذو حدين وأن هذا السلاح من المفترض أن نكون نحن من نملكه لا أن يملكنا ويجعلنا أشبه بالعبيد له لدرجة أن يسرقنا من جلسات الأهل وسمرات الأقارب والحديث معهم ومعرفة أخبارهم، فنصبح حاضرين بأجسادنا دون عقولنا، وهذا من وجهة نظري يعد مرضاً يستوجب العلاج السلوكي وإعادة صياغة استخدامنا لهذا الجهاز.

وحقيقةً المسروقين كُثر في هذا الوقت ليس فقط من مجالسة الآخرين بل وصل الأمر إلى أن يأكل أحدنا ويقضي حاجته - أعزكم الله - والجهاز في يده لا يفارقه إلا وقت النوم، وهذا بلا شك له تداعياته ومؤشر خطير من الناحية الصحية والاجتماعية على السواء؛ ففي دراسة لـ Krut 1998, في أثر استخدام الإنترنت على التفاعل الاجتماعي والصحة النفسية للفرد توصلت الدراسة إلى أن كثرة استخدام الإنترنت والجلوس خلف الشاشة لساعات طويلة يؤدي إلى حالة من الاكتئاب والوحدة الاجتماعية. 

فالحياة الاجتماعية الحقيقية قائمة على الواقع الملموس المتبادل بين الآخرين بالنظرات ونبرات الصوت ولغة الجسد، فضلاً على الحرص في أوقات لقاء الأحباب على التجرد من هيمنة الإنترنت وما يستظل تحته من برامج تواصل اجتماعي، ومن المفترض أن هذه الأجهزة محفزة وملهمة ومسلية في الأوقات التي نحن من نحددها فضلاً عن وضع الشروط في أوقات الاجتماعات مع الأهل أن لا نستخدم الجهاز بتاتاً إلاّ للحاجة.

إذاً كيف أعرف أنني أصبحت غارقًا/ـة في برامج التواصل الاجتماعي! اسأل نفسك عزيزي القارئ: هل سُرقت أم سَرقت من عالمي الواقعي؟ وإن كنت سُرقت فبادر لاستعادة نفسك، ضع الحلول والبدائل فأنت تعلمها جيداً وكُن عازماً على ذلك.

 

أروى عثمان العثمان 

باحثة في علم الاجتماع

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA