صديقي العزيز دع «المزاجية والنفسية»!

قد يرتبط أحدنا بعلاقة مع شخص «مزاجي» أو يعاني من اضطراب نفسي، وقد تكون هذه العلاقة راسخة وطويلة وحتمية، كالعلاقة بين الإخوة والأقارب والأصدقاء، أو تكون علاقة عابرة، كأن تقابل شخصاً في المطار أو في محطة القطار أو شخصاً يجلس بجانبك في كرسي الطائرة أو يُسامرك لحظاتك على مقاعد القطار لتجده يسألك عن سكنك ونوع وظيفتك، ويحكم عليك بهما ويحدد مسار الحديث في الدقائق القادمة، ويتلاشى كل هذا بعد الوصول لوجهتك وترمي جلّ الكلمات التي استقبلتها خلف ظهرك إلا إن كانت هناك حكمة مستفادة فأطبق عليها بإذنيك ولا تعطه رقمك حتى لو ألحّ عليك بذلك!

أما من هم حولنا ونراهم يومياً أو أسبوعياً أو حتى شهرياً، فقد يكون من بينهم أيضاً أشخاص مزاجيون أو يعانون من اضطراب نفسي لكننا مضطرون على التعايش معهم مادام هناك أواصر تجمعنا بهم كمجلس يُفتح أو عملٌ تطور إلى صحبة، فتجد أن بعضهم يدخلون ضمن إطار «النفسيات»، والنفسيات التي أقصدها هنا «ولو كانت واضحة بالمعنى العاميّ»، لكن دعني أوضحها لك عزيزي القارئ بأسلوبي الخاص الممزوج بالجدّية الخالصة.

أقصد بالنفسية هو ذلك الشخص الذي يريد أن يتحكم في «الجوّ العام» للجلسة ويُسيّرها كما يشاء، نعم أنا أقصد ذلك الشخص الذي جاء ببالك لحظة قراءتك لهذه الجملة، أقصد بالنفسية هو ذلك الشخص الذي من أجل موقف ما أصابه في عمله ذلك اليوم، تراه ينقل تلك المعاناة لمجلسه الخاص ويحوّل «الجلسة» إلى تذمّر بسبب ذلك الموقف.

نعم، أقصد بـ«النفسية»، ذلك الشخص الذي تراهُ يوماً يظهر أنيابه من عمق ابتسامته، ويوماً يكتمها ويأسرها خلف أشجان باءت أن تظهر بسبب خلاف عائلي أقل مايُقال عنه تافه، نعم، أقصد ذلك الشخص الذي جاء ببالك لحظة قراءتك لهذه الجملة، أقصد ذلك الشخص الذي يظل يُمازحك كيفما يشاء، وحين ترد له المزحة بالمثل «تطلع أم السعف والليف اللي بداخله»! نعم أنا أقصد هذا الشخص الذي جاء ببالك لحظة قراءتك لهذه الجملة، أقصد بالنفسية ذلك الإنسان الذي دائماً ما يُردد «بتسوون اللي براسي ولا بسحب عليكم؟» نعم أنا أقصد ذلك الشخص الذي جاء ببالك لحظة قراءتك لهذه الجملة.

والأسوأ من هذا كله أن يأتيك «صاحبنا النفسية» ولا يتقبّل أي نقاشات ولا محاولات لتغيير رأيه ولا محاولة إقناعه، بل لا يعطيك فرصة إطلاقاً لإيضاح وجهة نظرك، ويستمع لكلامك حتى تنتهي ليرد عليك بكلامٍ لا معنى له، يرى أن وجهة نظره صحيحة وكأنها وحيّ مشابه للقرآن لا يقبل التغيير ولا المساس ولا النقاش به، وعلينا جميعاً الإيمان التام به.

لقد عانيت كثيراً من الأشخاص المزاجيين وذوي النفسية، وقررت «أخيراً» أنني أجعله يعيش كما يريد، وسأجعل تلك الحياة تُلقّنه دروساً مليئة بالخُبرات واللسعات «لعله يتذكر أو يخشى»، لأنني أعلم أنه يوماً ما سيصل لمرحلة التشبّع من المواقف والصفعات حتى يستيقظ من «نفسيّته».

أنا مؤمن إيماناً تامّاً أننا بشر، وأن الظروف الخارجية أحياناً هي من تتحكم في نفسياتنا وقراراتنا ومشاعرنا ومسار حياتنا، لكن ليس من المعقول أن نجعلها تؤثر على من هم حولنا وننشر السلبية لهم، جميعنا نمر بظروف وضغوط حياتية مقيتة، لكن الواعي والمتّزن هو من يستطيع التحكم ومسايسة هذه الظروف والسير بها إلى برِّ الأمان قدر الإمكان.

عش لحظة فرحَك بكل عنفوان مطلق ولا تقيّدها، وتعايش مع لحظات حزنك بأقل من ذلك بكثير لأن الفرح لايدوم والحزن لا يستمر، واضحك .. يا جميل!

عبدالله بن محمد الشمراني

مكتبة الملك سلمان المركزية

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA