وقفات أكاديمية

حان الوقت لتحديث قائمة الأصدقاء
د. خليل اليحيا

الصداقة هي علاقة إنسانية واجتماعية وحضارية بين طرفين أو أكثر، وهي علاقة قائمة على الصدق والإخلاص والانسجام والتفاهم والثقة، وهي علاقة قد تدوم لفترات طويلة وقد تختفي أو تخفت عند فترات زمنية معينة تكون عادةً هذه الفترات متزامنة مع تلك المراحل الانتقالية للإنسان سواء كانت تلك المراحل متعلقة بالدراسة أو بالسكن أو بالعمل، أو قد تكون متعلقة بأسباب سياسية أو ثقافية أو اجتماعية.
والإنسان بطبعه كائن إجتماعي. يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ». والصداقة قدر الإنسان منذ نعومة أظفاره، حيث يبدأ الإنسان في بناء شبكة صداقاته في سنواته الأولى، ثم تستمر قائمة الأصدقاء في النمو والتنوع حسب ظروف الإنسان الاجتماعية ومهاراته في تكوين العلاقات والصداقات.
والصداقات غالباً لا تدوم بنفس القدر من القوة، ولا تحتفظ بنفس المستوى من الرشاقة، فالظروف تتغير والارتباطات تتكاثر والأولويات تتبدل مع تقدم الإنسان بالعمر. وبالمقابل، الصداقات ذات الاهتمامات المشتركة تميل عادة لأن تستمر لفترات أطول من تلك الصداقات التي تتشكل في مصادفات ظرفية يحكمها الحرج أو تحكمها اعتبارات اجتماعية أو تجارية.
وتشير بعض الأبحاث والدراسات العلمية أن المرحلة الجامعية هي ضمن الفترة الذهبية التي ينشط فيها الطالب في بناء صداقات وعلاقات جديدة، وهي علاقات تكون انتقائية أكثر منها عاطفية بحكم الخبرة والاهتمامات المشتركة، حيث تسمح المرحلة الجامعية للطالب بالانفتاح أكثر على الآخرين والتعرف عليهم والعمل معهم في القاعات الدراسية والمواد الأكاديمية والنشاطات اللاصفية، فالجامعات تضم أعداداً غفيرة من الطلاب من كل الثقافات والمناطق واللهجات، بالإضافة إلى الخيارات المتنوعة من النشاطات والفعاليات العلمية والثقافية والاجتماعية والرياضية، حيث يتيح هذا التنوع في بيئة الجامعات للطلاب بناء العلاقات والصداقات بشكل انتقائي أفضل وأسرع.
ولهذا نصيحتي الأولى للطلاب في المائة اليوم الأولى من حياتهم الجامعية هي العمل على تحديث قائمة الأصدقاء وتوفير مساحة لصداقات وعلاقات جديدة، فالمرحلة الجامعية تتطلب التزامات وتضحيات، وهي مرحلة مليئة بالتحديات، والصداقات الجديدة تشكل دافعاً قوياً للنجاح في هذه المرحلة، فالصداقات في الجامعة تعتبر عاملاً إيجابياً وحافزاً مؤثراً للصمود  والاستمرار وتحقيق النجاحات، سواء تلك النجاحات المتعلقة بالدراسة الأكاديمية، أو حتى النجاحات المتعلقة بالنشاطات والفعاليات الثقافية والرياضية والاجتماعية.
زارني يوماً في مكتبي أحد طلاب الطب في السنة الثانية للتحدث معي عن موضوع شخصي يتعلق بالكلية، حيث أشار الطالب حينها بعدم وجود تلك الرغبة بالاستمرار في الكلية وضعف الدافعية للبقاء، وشرح الطالب مشاعر الانزعاج والقلق أثناء وجوده في قاعات الدراسة ورغبته بالمغادرة حال ما تنتهي المحاضرات، وفي معرض حديثه سألته عن صداقاته في الكلية ومدى عمق هذه الصداقات، فأشار إلى عدم وجود أصدقاء له من الكلية بسبب تأخره سنة أكاديمية عن زملائه السابقين الذين واصلوا مشوارهم، وعدم قدرته على الانسجام مع زملائه الحاليين وتكوين صداقات جديدة. ولعل هذا الأمر يلخص حالة القلق والانزعاج والرغبة في المغادرة من مبنى الكلية، إذ إن البقاء في مكان يخلو من الأصدقاء هو أشبه بالسجن في مكان فسيح، حيث تضعف الدافعية للبقاء والاستمتاع، ومصارعة الظروف والتحديات وحيداً دون سند من صديق يدفعك للحياة ويساعدك على المقاومة والاستمرار.
وتذكر السيدة مليني لونق في مقال لها في مجلة هارفارد بعنوان «روابط القرمز» عن مشاعرها ولحظاتها الرائعة مع صديقاتها في السكن أثناء المرحلة الجامعية، وكيف أن تلك الصداقات كانت بديلاً ملائماً عن عائلتها التي اضطرت لتركها لتلتحق بالجامعة، حيث تذكر السيدة مليني أن تلك الصداقات لم تكن بديلاً مؤقتاً أو عابراً، بل كانت صداقات وعلاقات وثيقة ومستقرة امتدت لسنوات، وذلك على العكس من فترات مبكرة من حياتها اضطرت معها للانضمام لسبع مدارس مختلفة بسبب طبيعة عمل والدها، مما انعكس على صداقات كثيرة في تلك المراحل المبكرة اختفت وتلاشت بسبب التغيير المستمر مما شكل صدمات عاطفية.
وتشير السيدة مليني بالفضل لتلك المرحلة الجامعية التي تحولت فيها مع صديقاتها إلى بالغين مستقلين، وكيف أنها ساهمت في اكتشاف هوايتنا والتعرف على إمكانياتنا وماذا نريد أن نكون وإلى أين نريد أن نسير. تقول السيدة مليني: «على الرغم من أنني نفس الشخص الذي كنت عليه دائمًا، إلا أنني نشأت كثيراً في السنوات الأربع الماضية. في الواقع، أشعر كما لو كنت قد نضجت أكثر خلال الأشهر القليلة الماضية». وتختم السيدة مليني مقالها بقولها: «إن الكلية هي وقت النمو الثمالي، بوتيرة مختلفة بشكل كبير عن تلك التي تحدث في المرحلة المتوسطة أو الثانوية».

 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA