اللغة بوصفها «نظام أنظمة»

 

 

لا يكاد يخفى على الجميع أن اللغة ظاهرة اجتماعية مشكَّلة من مجموعة الرموز الصوتية أو الإشارات، ويعبر بها كل قوم عن أغراضهم كما زعم ذلك ابن جني، فهي لا تقل شأنًا في مكانتها الاجتماعية ولا يخف وزنها في تجذير الهوية العربية أو غير العربية حسب انتماء كل لغة إلى ثقافة تحتضنها.

واللغة بغض النظر عن كونها مكوناً أساسياً في بنية الوثيقة الوطنية لأي مجتمع من المجتمعات، توصف بأنها شبكة من العلاقات المتعددة، كما توصف أيضًا بأنها كلية يستوي فيها جميع البشر الأسوياء «ابن حمودة، رفيق: مذكرة في علم اللغة التطبيقي، جامعة الملك سعود، 2017م». رغم كونها وسيلة للتعبير عن المشاعر والأحاسيس والحاجات، بالإضافة إلى أنها وعاء التفكير لدى الإنسان. «البديرات باسم، والبطاينة حسين: اللغة وأثرها في تجذير الهوية العربية، القاهرة، 2016م».

ويقصد بكون اللغة نظام أنظمة صغرى ارتباط عناصرها ومهاراتها بعضها ببعض وسيطرة المنتج اللغوي ليشكل كيانًا ووظيفة متكاملة ممثلة بعناصر اللغة ومهاراتها من أجل أداء الرسالة المنشودة.

وقد أشار اللغويون إلى اللغة من وجهاتهم المختلفة بأنها «نظام اتصالي معقد يجب تحليله إلى عدد من المستويات هي: الصواتة phonology، والتراكيب syntax، والصرف morphology، والدلالة والمعجم semantics and lexis، والمستوى البراغماتي pragmatics، وتحليل الخطاب discourse، والحجاج argument «ترجمة الشريوفي، عيسى، نظريات تعلم اللغة الثانية، جامعة الملك سعود، 2013م».

وبالمقابل، تمر اللغة قبل إنتاجها بالجوانب الفسيولوجية لتعمل الأجهزة النطقية والسمعية التي تضم أعضاءً غير قليلة في تكوين شخصية الإنسان، وهي منقسمة إلى الجهاز الصوتي والجهاز السمعي، ونختصرهما في ما يلي:

الجهاز الصوتي: يعد هذا الجهاز مصدر الصوت ويشمل جميع أعضاء النطق لدى الإنسان، ويبدأ من الصدر وينتهي بالشفتين. «العصيلي، عبد العزيز: علم اللغة النفسي، السعودية، 2006م». والتالي يتكون جهاز الصوت من ثلاثة أجزاء رئيسة هي: الجهاز التنفسي، والحنجرة وتجويف الحنجرة، والتجاويف الرنينية في الأنف والفم، غير أن ما يجري بين هذه الأجزاء من ترابط وتفاعل يحصل منها موجات صوتية تنتقل إلى أذن السامع عن طريق وسيط فيزيقي كالهواء وغير الهوء في قنوات الاتصال وأجهزته. «المرجع السابق».

ومن المفيد أن نشير إلى أن كل من الجهاز التنفسي وأعضائه من الرئتين والقصبة الهوائية ليس بمنأى عن دور المُعين والمساعد لجهاز النطق في العملية التواصلية، ومن ثمّ مكانة الجوانب العصبية للغة التي منه الدماغ، ويؤدي كل جزء وعضو مما سبقت الإشارة إليه وظيفته ليتم إنتاج اللغة أيا كان نوعها.

وعند تكامل هذه العملية يمكن أن يقال لها نتاج لغوي، ونفترض أنه ربما إلى هذا الإطار يشير ربنا في محكم التنزيل ‭}‬خلق الإنسان علمه البيان‭{‬ سورة الرحمن، الآية 3و4. أي أن الله خلق خلقه وعلمه النطق والكتابة والفهم والإفهام حتى عرف ما يقول وما يقال له «البغوي، الحسين: معالم التنزيل تفسير البغوي، دار طيبة، 1989م». وذاك قول أبي العالية زيد والحسن. أما قول الإمام البغوي في تأويل الآية، فهو يشير إلى أن الآية معناها أن الله علم الإنسان اللغات كلها، ليسيطر عليها بمعونة الإعداد العضوي التشريحي والعصبي اللذين جبل عليهما الكائن الناطق العاقل.

عبد السميع أولوافيمي مفتاح الدين

معهد اللسانيات العربية .

نيجيريا

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA