فوائد لغوية

سبب وضع النحو

يستصعب كثير من الطلبة مادة «النحو» أو «قواعد اللغة العربية» ويرون أنها مادة نظرية أكثر من كونها عملية وأنها ثقيلة وجامدة ولا فائدة من تعلمها، ويتساءلون: من الذي وضع هذا العلم «اخترعه»؟ ولماذا وضعه؟ ويتمنون لو أنه لم يوضع أساسا، وبعضهم يدعو على من وضعه بالموت رغم أنه ميت منذ أكثر من ألف سنة!
هذا النوع من الأسئلة والأمنيات يظهر في الغالب لدى طلبة قام بتدريسهم مدرس «يؤدي الواجب» فقط، وتقليدي وروتيني في طريقة التدريس، يلقي المعلومات دون ربطها بالواقع، ودون حرص منه على ترغيب الطلبة بالمادة التي يشرحها أو تحبيبها لهم وترغيبهم بتعلمها وتطبيقها ومعايشتها.
كلنا يعلم أن الله تعالى أنزل القرآن الكريم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم باللغة العربية }بلسانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِين{ وتعهد سبحانه وتعالى بحفظه فقال }إنا نحنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون{ ولا شك أن حفظه يقتضي ويستلزم حفظ اللغة التي أنزل بها وبنفس الهيئة التي كانت عليها.
في عهد النبوة وبدايات عهد الخلفاء الراشدين كان الناس لا يزالون يجيدون اللغة العربية وينطقونها بالسليقة «أي بالفطرة» دون تعلم أو تدريس، ويضبطون الكلمات والجمل دون دراسة أو تلقين، وكان المسلمون يحفظون ما يُتلى عليهم من آيات الله مشافهة دون تدوين، حيث لم تكن الكتابة قد انتشرت بعد.
وحتى عندما جُمع القرآن الكريم ودُونت سوره وآياته كان التدوين دون نقط ودون ضبط بالحركات، وبعد توسع الفتوحات الإسلامية وانتشار الإسلام شرقاً وغرباً ودخول الناس «من العرب والعجم» في دين الله أفواجاً، بدأ يظهر «اللحن» في اللغة العربية شيئاً فشيئاً، وعلى ألسنة العامة في البداية، حتى وصل إلى المنابر، ثم إلى «المحاريب»!
وكانت الطامة الكبرى وصول «اللحن» إلى آيات القرآن الكريم وعلى ألسنة بعض أئمة المساجد، حيث سُمع أحد الأئمة يقرأ قوله تعالى }وأذانٌ منَ اللهِ إلى النَّاسِ يَومَ الْحَجِّ الأَكبرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشركينَ وَرَسُولُه{ بكسر اللام من «رسوله»!
ونتيجة لذلك هب العلماء والمشايخ والقراء لتدارك الأمر ووضع «شيء» يضبط اللغة ويحفظ القرآن الكريم ويواجه اللحن الذي بدأ بالانتشار والاتساع شيئاً فشيئاً، فبدأوا بضبط آيات القرآن الكريم، وتم وضع النقط وهي نوعان: نقط إعجام وهي النقط التي فوق الحروف وتحتها، ونقط إعراب وهي الحركات «الفتحة والضمة والكسرة».
ثم تم التوسع في ذلك وشرح أسباب ضبط الكلمات بتلك الحركات «الرفع لأنه مبتدأ أو خبر أو فاعل أو نائب فاعل... الخ» و«النصب لأنه مفعول به أو حال أو تمييز ... الخ» وبدأ يظهر في تلك الفترة علم جديد ومشايخ متخصصون في شرح وتفسير آيات القرآن الكريم من ناحية اللغة، والاستشهاد على ذلك بكلام العرب «الشعر والنثر» فظهر علم اللغة «النحو لاحقاً».
يتبع ،،،

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA