علم الآثار .. من المعرفة النظرية إلى التطبيق

يهتم علم الآثار بدراسة ما تركه الإنسان من بقايا مادية في الزمن الماضي، حيث يقوم علماء الآثار من خلال المسح والتنقيب الأثري بالكشف عن تلك البقايا وتحليلها ودراستها، والعمل على إعادة تركيب مسيرة الحضارة الإنسانية، واستخلاص القيم الثقافية المتنوعة التي تركها ذلك الإنسان على مر العصور.
ومن أجل القيام بهذه المهمة العلمية على أكمل وجه يستعين علم الآثار بعدة علوم متنوعة، ويعمل على تطبيق أفضل المنهجيات والأساليب الحديثة المُواكبة للتقدم التقني، وما يحتويه من تكنولوجيا رقمية، وأجهزة وآلات حديثة متطورة.
واليوم في ظل تطور العلوم ومناهج البحث العلمي، أصبح نجاح باحث الآثار في عمله مرتبطاً باستثمار الثورة المتنامية في التطبيقات والأجهزة التقنية ذات العلاقة بالآثار، مثل: «أجهزة المسح الجيوفيزيائي، أجهزة الرفع المساحي، تقنيات التصوير ثلاثي الأبعاد وإعادة البناء الرقمي، تقنية الرسم الرقمي، أجهزة المسح الجوي، تطبيقات نظم المعلومات الجغرافية GIS، وتقنية الاستشعار عن بعد RS، وأجهزة التحليل الكيميائي والفيزيائي، وغيرها».
وبناءً على ذلك نستطيع القول أن علم الآثار هو مجال متعدد التخصصات يقوم على عدة معارف علمية وعملية بالغة الدقة والتعقيد، وإذا أردنا تلمس الحلول التي تجعل من خريج هذا التخصص قادراً على اكتساب المهارات العملية، وتوظيف معارفه النظرية في ميدان العمل ينبغي أن يظل تخصص الآثار تخصصاً عملياً تطبيقياً.
إن أفضل الوسائل لرفع مستوى المخرجات التعليمية لتخصص علم الآثار، واستيعاب نظرياته وفهم مدلولاتها لا تتحق إلا عبر التطبيق العملي سواءً كان في المواقع الأثرية أو في المختبرات والمعامل العلمية والبحثية.
إن عدم اندماج الطالب مع القواعد والنماذج النظرية المتعلقة بعلم الآثار والتي يتلقاها طوال مسيرته الجامعية وتجسيدها عملياً يضر بجوهر التخصص وتحويل مقرراته إلى مواد تعليمية جافة لا متعة فيها، وهنا تبدأ أُولى مراحل ضعف المخرج التعليمي، حيث يبقى الطالب قابعاً في دائرة مغلقة لا حياة فيها بدلاً من الانتقال إلى دائرة أوسع يكتسب فيها طريقة تفكير مختلفة وبيئة عملية تساهم في جعل ذهنه يتعرف على طرق وأساليب جاذبه تختلف عن تلك التي أعتاد عليها نظرياً.
لذا، بات نقل طلاب تخصص علم الآثار من المعرفة النظرية إلى العملية التطبيقية، أمراً ضرورياً وملحاً، وينبغي أن يكون منهجاً تعليمياً حديثاً تتبناه أقسام الآثار في الجامعات والكليات.
وهنا نُشير إلى ما وصلت إليه كلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود، من تطور ملموس خلال مسيرتها الأكاديمية كأول كلية متخصصة يتم تأسيسها بالمملكة عام 1426هـ/2005م، لتصبح اليوم من أهم الكليات المتخصصة التي تعمل بشكل دؤوب لمواكبة كل التطورات المتعلقة بعلمي السياحة والآثار، والعمل بشكل جاد واحترافي على تحديث الخطط الدراسية، وتصميم مقررات علمية تُمارس مناهجها عملياً في الميادين الخارجية وفي المختبرات والمعامل البحثية وليست مقررات مصممة للقراءة النظرية وحسب.
كما قامت الكلية بتحديث هيكلها التنظيمي واستحداث وحدة خاصة بالمعامل والمختبرات تابعة لوكالة الكلية للتطوير والجودة، تحتوي على مجموعة من المعامل المتخصصة مثل: «معمل الترميم، معمل الفخار، معمل المساحة والجيوفيزياء التطبيقية، معمل الرسم، معمل التصوير، معمل نظم المعلومات الجغرافية، ومعامل الحاسب الآلي والتسجيل والتوثيق».
جميع هذه المعامل تخدم كافة تخصصات الكلية، وتم الحرص على تزويدها بأحدث الأجهزة التقنية الحديثة وتدعيمها بكوادر متخصصة يملكون الخبرة والمهارة المعرفية الجيدة، وهذا بلا شك يسهم في الارتقاء بالعملية التعليمية والتدريبية، وإعداد وتأهيل جيل جديد من المتخصصين، والدفع بهم إلى سوق العمل، ومواصلة الإسهام في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، لا سيما وأن جامعة الملك سعود من ضمن الجامعات التي يطبق عليها نظام الجامعات الجديد، والذي يؤكد بدوره على تطوير الأنظمة التعليمية للوصول إلى أفضل الممارسات العالمية.

د. محمد بن شبيب السبيعي
وكيل كلية السياحة والآثار للتطوير والجودة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA