«Lait A2» حليب المستقبل وخيار مناسب لمزارع الأبقار

لا يختلف اثنان على أن للحليب الكثير من المنافع على صحة الإنسان، حيث يُعدّ من المصادر الغذائية الغنيّة بالبروتين الضروري للعديد من الوظائف الحيوية في الجسم، بما في ذلك النمو والتطور والإصلاح الخلوي وتنظيم جهاز المناعة، وقد ارتبط شرب الحليب منذ فترة طويلة بتكوين العظام الصحية، وبينت نتائج العديد من الدراسات أن انخفاض استهلاك منتجات الألبان يرتبط بزيادة خطر الإصابة بمرض هشاشة العظام.

في الأونة الأخيرة  ظهرت العديد من الدراسات التي ترى أن استهلاك الكثير من الحليب ومشتقاته قد يضر بصحة الإنسان، وبالرغم من تضارب النتائج حول هذا الموضوع إلا أن العديد من البحوث العلمية أكدت عدم صحة هذه الفرضية، وقد أكدت نتائج دراسة حديثة أقيمت على أكثر من 135 ألف شخص من 21 دولة في 5 قارات، على أن زيادة استهلاك منتجات الألبان، مثل الحليب واللبن والجبن، ارتبط بانخفاض معدل الوفيات وأمراض القلب والأوعية الدموية وكذلك السكتة الدماغية، وقد خلصت الدراسة إلى أن «استهلاك منتجات الألبان يجب أن يرتفع».

لسوء الحظ، هذه الاستنتاجات قليلة ومعروفة بشكل ضعيف، ويقدّر المعدل العالمي لاستهلاك الحليب ومشتقاته للفرد الواحد بــ 250 لتر سنوياً، وقد لوحظ تراجع معدل استهلاك هذه المنتجات في السنوات الأخيرة خاصة في أوروبا في حدود 15-20%،  وهذا يمكن أن يكون راجعاً إلى إشكالية في هضم اللاكتوز وبعض بروتينات الحليب إضافة إلى توجه المستهلك إلى المنتجات النباتية البديلة، مثل حليب اللوز والكتان والصويا، وفي الآونة الأخيرة أيضاً، ظهر نوع جديد من حليب الأبقار حول العالم هو «Lait A2» مناسب للمستهلكين الذين لا يستطيعون شرب حليب الأبقار دون مشاكل في الجهاز الهضمي، حيث وجدوا أن هذا الحليب الجديد أسهل في الهضم من الحليب التقليدي. 

يعتبرالبروتين الموجود في الحليب الجديد «Lait A2» بروتيناً كاملاً، حيث إنه يحتوي على معظم الأحماض الأمينية الأساسية والضرورية لجسم الإنسان، كما أن هناك نوعين رئيسيين من البروتينات عالية الجودة الموجودة في الحليب، وهما الكازيين «Caseine» الذي يُشكل 80% من محتوى البروتين في الحليب، وبروتين مصل الحليب «Lactoserum» الذي يُشكل حوالي 20 % من بروتينات الحليب، وهناك أنواع مختلفة من الكازيين، أحد البروتينات الرئيسية الثلاثة في الكازيين هو بيتا كازيين «β- Caseine» حيث أنه يمثل أكثر من ثلث إجمالي الكازيين في حليب البقر، وهو مهم بشكل خاص بسبب تأثيره على الجهاز الهضمي وعلى الخصائص الحيوية والتكنولوجية لمشتقات الحليب، وقد وجد نوعان مختلفان من بروتين بيتا الكازيين، مع العلم أن هذه الأنواع من البروتينات لا ترتبط بتغذية الابقار، ولكن ببساطة ترتبط بالتركيب الجيني، فالبقرة يمكن أن تنتج حليب مُكون من بروتين بيتا كازيين A1A1، أو بيتا كازيينA1A2،  أو بيتا كازيين A2A2 ، لأن الأبقار هي الوحيدة القادرة على إنتاج الحليب الجديد «Lait A2» والأبقار A1A2 ستنتج خليطًا من بيتا كازيين.

وقد أكدت العديد من نتائج البحث أن بروتين بيتا كازيين يختلف بحسب سلالة الأبقار، حيث وجد أن نسبة البروتين بيتا كازيين A1 عالية في أبقار سلالة الهولشتين فريزيان Holstein-Friesien، والأيرشاير Ayrshire، أما البروتين بيتا كازيين A2 فكانت نسبته عالية عند الأبقار من سلالة الجيرسي Jersey، والليموزين Limosine والشاروليه Charolaise، وبعض سلالات الأبقار المحلية وكذلك الزيبو Zebu، ووجد أخيراً أن نسبة الأبقار الهولشتين في إسبانيا وإيطاليا التي تنتج حليب غني بالبروتين بيتا كازيين A2A2 لا تتجاوز 35% من مجموع الأبقار الكُلية، وهذا يمكن إرجاعه إلى أن برامج الانتخاب التي طبقت منذ أكثر من خمسين سنة  لتحسين إنتاجية الأبقار غيرت من التركيبة الجينية لهذه السلالة. 

إن التخمر والهضم المعوي لبروتينات الحليب ينتج الببتيدات Peptides النشطة بيولوجياً، حيث لوحظ أن هضم البروتين بيتا كازيين A1 في الأمعاء الدقيقة ينتج بيتا كازومورفين 7 ،β-casomorphin 7، بكمية أكبر، مقارنة بالبيتا كازيين  A2 ، وهو ببتيد أوبيوويد Opioide، المرتبط بصعوبة الهضم في المعدة وأعراض مشابهة لتلك التي يعاني منها الأشخاص الذين يعانون من عدم تحمل اللاكتوز، مثل الغازات والانتفاخ والإسهال، ويعتقد بعض الباحثين الآن أنه قد يكون «بيتا كازومورفين 7» وليس اللاكتوز، هو الذي يسبب هذه الأعراض لدى بعض الأشخاص.

وقد أكدت نتائج بحث أجرى في نيوزيلندا أن استهلاك حليب غني بالبروتين بيتا كازيين A2 مرتبط بتسهيل عملية الهضم، وانخفاض انتشار مرض السكري من النوع 1 وانخفاض معدلات الوفيات الناتجة عن أمراض القلب، وبالرغم من هذه النتائج المتميزة إلا أن هناك أبحاثاً علمية أخرى لا ترى أي فرق بين أنواع البيتا كازيين، وبذلك ليس هناك أي تأثير إيجابي لاستهلاك البروتين بيتا كازيين A2 على صحة الإنسان.

في الأونة الأخيرة اكتسبت دراسة متغيرات البروتين بيتا كازيين A1 وA2 اهتمام الباحثين والمستهلكين على حدٍ سواء، مما أدى إلى تعزيز اتجاهات سوق الألبان ذات المنتج الجديد وارتفاع أسعار الألبان في أستراليا ونيوزيلاندا والولايات المتحدة الأمريكية، ومؤخراً في أوروبا، وكتطبيق لمبدأ الوقائية سيكون من الحكمة استهلاك الحليب الذي يحتوي على البروتين بيتا كازيين A2 لتحسين عملية هضم الحليب، خاصة عند المستهلكين الذين لا يتحملون الحليب التقليدي، وقد ظهرت العديد من الشركات لتسويق الحليب الجديد «Lait A2» ومن أهمها الشركة النيوزلندية A2 Milk Corporation والتي تسوق هذا الحليب منذ عام 2007م.

فهل هناك إمكانية لإنتاج الحليب الجديد «Lait A2» في المملكة العربية السعودية؟!

إن الترويج لمنتجات الألبان المحلية ذات الجودة العالية في الفترة الأخيرة، أصبح هدفاً مشتركاً بين مختلف الجهات الفاعلة وخاصة المربين والباحثين والمستهلكين، حيث إن التنويع في منتجات الألبان، كإنتاج مشتقات الحليب البيولوجية أو الحليب الجديد «Lait A2» يساعد في المستقبل على المحافظة على سلالة الأبقار المحلية من خلال الحصول على منتجات ذات خصائص نشطة بيولوجياً.

خلاصة القول إن إنتاج وتسويق حليب الأبقار الجديد «Lait A2» يمكن أن يكون حلاً مفيدًا لتحسين عملية هضم الحليب، خاصة عند الرضع والمستهلكين الذين لا يتحملون الحليب التقليدي ولديهم حساسية تجاه ذلك الحليب، كما يعتبر الحليب الجديد خياراً للتنويع في منتجات الألبان، خاصة بالنسبة للعوائل صغيرة الحجم في الأرياف، حيث إن هذا المنتج الجديد سوف يساهم بصفة غير مباشرة في استدامة مزارع الألبان.

 

مُعز العيادي

أستاذ الألبان بقسم الإنتاج الحيواني جامعة الملك سعود

أستاذ محاضر في العلوم البيولوجية والفلاحية - جامعة جندوبة

moez_ayadi2@yahoo.fr

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA