فلتكن قابلاً للكسر والانكسار

 

 

اليابانيين عندهم عادة لطيفة يفعلونها منذ قرون وتسمى الكنتسوجي، وهي أنه عندما يسقط وعاء أو كوب من الخزف أو الفخار وينكسر، يقومون بتجميع القطع المحطمة والمتناثرة ثم إعادة إلصاقها وطليها بالذهب لتبدو تحفةً فنية جميلة. وهذا العمل يرمز إلى أن الانكسارات في حياة الإنسان متوقعة، وهي التي تبرز مكامن الجمال فيه وتخرج القوى الداخلية التي يحملها. وهذا نوع من أنواع التفكير الإيجابي من خلال توظيف السلبيات وتحويلها لإيجابيات. والحقيقة هي أن وعاءً مكسوراً يتحول لتحفة فنية أنيقة في مكان بارز من المنزل خيرُ من أوعية سليمة لكنها محفوظة في الأرفف والأدراج.

الشعور بالفشل والإخفاق والإحباط والانكسار جزء من تفاصيل حياة الإنسان، وهي ابتلاء من الله وامتحان، وتحدث هذه الأشياء عادة نتيجة عجز الإنسان عن تحقيق أهدافه وأحلامه لأسباب قد تكون داخلية عند الإنسان، وقد تكون خارجية بسبب ظروف قاهرة. وبالرغم من مرارة طعم الفشل وقسوة الإخفاق وألم الانكسار إلاّ أن الدروس التي يخرج منها الإنسان كبيرة ومفيدة، تمكنه من اكتساب المزيد من الخبرة والتجربة، وتساعده على أن يكون أكثر صلابة وتماسكاً ،لتجنب الأخطاء مرة أخرى وعدم تكرارها. كذلك الفشل والإخفاق والانكسار تقدم دروساً مجانية للإنسان في الصبر وقوة التحمل حين التعامل معها، وتيسر له شرف المحاولة عدة مرات حتى تتحقق الأهداف والأحلام.

بعض الشركات التقنية الكبيرة في وادي السليكون في الولايات المتحدة تسأل المتقدمين للوظائف لديها أثناء المقابلة الشخصية عن عدد المشاريع التي فشلوا فيها، وذلك لإيمان هذه الشركات بأن الفشل يقدم دروسًا مجانية لتجنب الوقوع فيه، ويعطي الإنسان الخبرة لتفاديه، والمعرفة لتحويل الفشل لنجاح أكبر. 

لا يوجد شخص على وجه هذه الأرض لم يُعانِ من تجارب فاشلة أو تمر عليه لحظات من الإخفاق، ولكن هناك من استطاع التحكم في الفشل والسيطرة على الاخفاق، وهناك من حول الفشل الذريع إلى نجاح باهر. السيد توماس أديسون أخفق في أكثر من ألف محاولة قبل أن ينجح في اختراع المصباح الكهربائي، والسيدة جوان رولنج عانت كثيراً من الفشل قبل أن تكتب في نهاية المطاف الرواية التي أصبحت الأكثر مبيعاً (هاري بوتر)، والتي على ضوئها أصبحت السيدة رولنج أشهر وأغنى كاتبة نسائية. السيد إبراهام لينكولن فشل أيضاً في ثلاث محاولات للترشح لانتخابات مجلس النواب قبل أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية وأحد أعظم الرؤساء الذي تركوا بصمات تاريخية، وقد لخص السيد لينكولن تجربته بالعبارة التالية: لن تفشل إلا إذا انسحبت.

عليك عزيزي القارئ أن تدرك أن طريق النجاح قد لا يكون مهيئاً، ولن يكون مُعبداً، وأن الفشل والإخفاق والإحباط والانكسار أمور متوقعة. قد تصادفك لحظات فشل مؤلمة، وإخفاقات مزعجة، وإحباطات متكررة، وانكسارات متتالية. قد يفشل الطالب في اجتياز مادة من المواد، وقد يخفق في أحد الامتحانات، وقد يصيبه الإحباط من المعدل التراكمي، وقد ينكسر التاجر في تجارته ويخسر أمواله، لكن المحافظة على التماسك والثقة بالنفس، والتسلح بالعزيمة والإرادة كفيل بتحويل المشاعر السلبية إلى مشاعر إيجابية تمد الإنسان بالتفاؤل والأمل. كونوا واثقين بالله أولاً، ثم بقدراتكم الذاتية وإمكانياتكم الشخصية. تسلحوا بالعمل والمثابرة والإصرار، وكونوا دائماً إيجابيين في تفكيركم وفي قناعاتكم وفي قدراتكم، ثم اعقلوها وتوكلوا، وتذكروا أن العادة اليابانية تقول لك: إن الأشياء المكسورة ليست شيئًا نخفيه أو نخشاه، لكنها شيء نعرضه بكل فخر، ونتعلم منه، ونستفيد من تجاربه ودروسه.

 

د. خليل اليحيا

الطب

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA