رسوم الحيوانات على الواجهات الصخرية في المملكة العربية السعودية

 

 

تعد الرسوم الصخرية المنتشرة في مناطق متفرقة في المملكة العربية السعودية إرثًا تاريخيًا حضاريًا يعكس جوانب مختلفة من حياة الإنسان في تلك الحقب التاريخية منذ العصور القديمة، حيث تتضمن موضوعات متنوعة في الأحوال الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، فمن خلال موضوعات الرسوم الصخرية المتنوعة استطعنا تحديد أبرز الحيوانات التي كانت معروفة لدى المجتمعات القديمة وأكثرها انتشاراً، حيث استفاد الإنسان منها في استخراج الألبان، وأكل لحومها، واستخدام جلودها وأصوافها في الصناعات، والإنسان خلال تلك الفترات الموغلة في القدم كان يأكل كل ما يتوفر لديه، ويكون صالحًا للأكل من نباتات وحيوانات.

وبدأت تتضح مناظر الصيد في الرسوم الصخرية منذ الألف السادس قبل الميلاد في القسم الجنوبي من شبه الجزيرة العربية، ويبدو أن ممارسة الإنسان الحجري المبكر للصيد وملاحظته لسلوك الحيوان قادته إلى استئناسه، خاصة إذا علمنا أن الكلب من أوائل الحيوانات التي استأنست؛ باعتبار استخدامه في عمليات الصيد. وتشير الرسوم الصخرية المنتشرة في مناطق متفرقة من جنوب شبه الجزيرة العربية إلى شيوع استئناس حيوانات مثل: الكلب، والحمار والثور في المنطقة منذ الألف السابع والسادس قبل الميلاد.

وتشير الرسوم الصخرية المنتشرة في شمال غرب شبه الجزيرة العربية أيضاً -والتي تؤرخ في الفترة ما بين 4000-2000 ق.م- إلى ممارسة سكان المنطقة لحرفتي الصيد والرعي، وهما الحرفتان الرئيستان آنذاك؛ إذ يتضح من خلال هذه الرسوم أن الكلب والثور من الحيوانات المدجنة، في حين ظهر الغزال فرائس صيد. ونتيجة لحلول فترة الجفاف من الألف الرابع قبل الميلاد؛ تطور أسلوب الرعي في مناطق متفرقة، حيث استبدلت الحيوانات السابقة بحيوانات أكثر قدرة على التكيف مع البيئة الجافة، كالجمل والضأن والماعز، وخاصة في المناطق الشمالية والغربية.

وفي منطقة حائل «جبل المليحية» الذي يبعد عن حائل بمسافة 40 كيلو متراً من جهة الشرق، توجد على واجهات صخوره نقوش ورسوم مهمة، تشمل مناظر حية لأبقار وجمال برية ونعام وأسود.

ونظرًا لأهمية المنطقة «جبة والشويمس» الغنية بالرسوم الصخرية حرصت المملكة العربية السعودية على تسجيل رسوم حائل الصخرية في قائمة التراث العالمي (اليونسكو)؛ لما فيها مجموعة كبيرة ومتنوعة من الرسوم الحيوانية التي يعود تاريخها إلى القرن الثالث أو الرابع قبل الميلاد.

وفي منطقة القصيم رسوم حيوانية للنعام، والأسود، واللبوات، والأبقار والجمال، وفي عيون الجواء أيضاً رسوم لحيوانات مفترسة ووعول ونعام وجمال، كما يوجد رسم صخري لجمال ووعول في «جبل طمية» في منطقة عقلة الصقور، أما في منطقة البكيرية فتوجد رسوم صخرية لحيوانات نادرة كالأسد وبجانبه زوجته اللبوة.

وفي ذات السياق المنطقة الوسطى «محافظة الدوادمي» تحديداً رسوم صخرية تتضمن رسومًا لحيوانات متنوعة مثل: الأسد، والبقر الوحشي، والمها، والجمال، والوعول، والنعام.

ويعدُّ الجمل من الحيوانات البارزة والهامة في شبه الجزيرة العربية، وقد ظهر لأول مرة في الرسوم الصخرية على صخور كلوة شمال شرق تبوك، والتي تعود إلى الفترة الممتدة ما بين (12000-8000 ق.م)، حيث ظهر في صورة تطابق شكله الحالي. والثور البري، والثور بدون سنام، تزامن ظهوره -حسب الرسوم الصخرية- مع الجمل وحيد السنام. في حين يظهر الجمل البري في الرسوم الصخرية في شبه الجزيرة العربية في الفترة ما بين 3000-2000 ق.م، وهو لا يزال في حالته البرية، وفي منظر الصيد الذي عثر عليه في منطقة «شعيب مسمى» شمال بئر حمى.

واستخدم الجمل في عملية التنقل، لتوافق طبيعة الجمل وهيئته مع الظروف الطبيعية والتضاريسية لشبه الجزيرة العربية؛ مما جعله من أهم الثروات الحيوانية فيها. فهو مصدر غذائي، ووسيلة نقل أسهمت -بدور كبير- في علاقات العرب بجيرانهم، إضافة إلى استخدامه في الحروب؛ إذ اقترن مع أول ذكر للعرب في المصادر الآشورية، وذلك في أحد نصوص شلمنصر الثالث المؤرخ بعام 853 ق.م، والذي ذكر في معرض حديثه عن الحلف الذي أقيم ضده من القبائل العربية في بلاد الشام، بمشاركة جنديبو العربي «ملك مملكة قيدار» بما يقارب من ألف جمل محارب، في معركة قرقر.

وننوه إلى أن رسوم الجمال كانت منتشرة في أغلب مناطق شبه الجزيرة، أضف إلى ذلك رسوم بعض الحيوانات الأخرى، كالأسد والوعل والبقرة.  ومن الألف السادس إلى الثاني قبل الميلاد، عثر على رسومات لأبقار ذات قرون في منطقة جُبة والحناكية، وفي منطقة شمال شبه الجزيرة العربية جسدت الرسوم الصخرية صوراً للحيوانات التي عرفها الإنسان القديم في تلك الفترة من التاريخ، ومناظر للصيد، وصور للحيوانات بحجمها الطبيعي، ومن الحيوانات التي رسمت في المنطقة الماعز، والجمال، وبقر الوحش، وكلاب الصيد، والوعول، والخيول، والحمير، والنعام. ومناظر الصيد في المنطقة توضح لنا حركة الصياد والحيوان بدقة، والأسلحة التي استخدمت في الصيد، واستمر فن الرسوم الصخرية حتى القرن٧م.

وتبذل وزارة الثقافة ممثلة في هيئة التراث جهودًا كبيرة في العناية والاهتمام والكشف والتوثيق للعديد من المناطق الأثرية والتاريخية في المملكة بالتعاون مع البعثات الأجنبية المختلفة وفقاً لرؤية المملكة ٢٠٣٠.

 

د. سلمى بنت محمد هوساوي

قسم التاريخ

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA