حزن سرمدي أم سعادة أبدية؟

 
أيهما الدائم؟ وأيهما الفاني؟ الحزن أم السعادة ؟ لماذا حين يكون المرء سعيدا يشعر بأنَّ الوقت قصير؟ وحين يكون حزينا يشعر بأنَّ الوقت طويل وبالكاد يمر؟ لماذا نجد عند امرئ القيس أبياتا يقول فيها: 
"وليلٍ كموج البحر أرخى سدوله 
عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت له لمَّا تمطَّى بصلبه 
وأردف أعجازا وناء بكلكلِ 
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي 
بصبحٍ وما الإصباح منك بأمثل"
 
في حين نرى المتنبي يقول: 
"لا تلق دهرك إلا غير مكترث 
ما دام يصحب فيه روحك البدن 
فما يديم سرور ما سررت به 
ولا يرد عليك الفائت الحزن"
 
الحزن يطول أمده في حين أنَّ السعادة أمدها قصير لا يطول، فهل السعادة وَهْم والحزن حقيقة؟ 
قبل أن أدخل في هذه الفلسفة، أرغب بطرح سؤال ما! هل سبق أن أردت شراء شيء جديد وحينما حصلت عليه بعد مدة تركته، ولم تعد تعطيه أدنى اهتمام؟ إنَّ الإنسان بطبعه يحب شراء الأشياء الجديدة وجمعها، فهو يحب أن يجمع النفائس وأن يكنز الكنوز، والقلة القليلة من البشر هي التي كسرت هذه القاعدة فكان عطاؤها أكثر من أخذها.
إنَّ السعادة في هذه الحياة أشبه ما تكون بالزائفة؛ لأنَّها مؤقتة وجوهرها أنَّها فانية، فمثلًا: حين تنهض من نومك سعيدا سرعان ما تسمع خبرا أو تصادف مشكلة تجعلك حزينا، وأحيانا حين تنهض من نومك حزينا يمسي باقي يومك كئيبا؛ ذلك لأنَّ الدنيا من أساسها حقيرة فانية، يغلب عليها المرض والشقاء، وهذه الحقيقة تطغى على سعادتنا. 
 
سعادتنا في الدنيا مزيفة في غاية الزيف، لا ينخدع بها إلا من أعمت بصيرته الغشاوة، وعلى الرغم من هذه الحقيقة فإنَّ هناك سعادة حقيقة، هي تلك السعادة التي تربط المخلوق بالخالق سبحانه وتعالى، وهذه السعادة في جوهرها لا يشعر بها إلا من كسر شوكة "الأنا" واقتحمها. 
إنَّ الله سبحانه وتعالى شرَّف الإنسان عن باقي المخلوقات بالتفكير والتعقل، وما أعطاه هذا العقل إلا ليتحكم بجوارحه ومشاعره، ويميز بين الصحيح والخاطئ، فإن هو لم يقدر على التحكم بمشاعره وشهواته وجوارحه تحول من كونه إنسانا إلى ما سماه الرافعي "حيوانا بعقل"، والحيوان بعقل أشدُّ خطرًا من الحيوان الذي لا عقل له؛ لأنَّه يفكر ويعلم الصحيح من الخاطئ وقابل للتعليم، ولكنه يسخر علمه في الطريق الذي يسهل عليه الانغماس بالملذات. 
وأمَّا ما يعتقده بعض النَّاس من أنَّ كبح الشهوات ومنع الإنسان من ارتكاب المحرمات هو تقييد لحرية الإنسان فذاك تفكير خاطئ تماما؛ لأنَّ الإنسان كائن لا يشبع، فإن حصل على إحدى الشهوات وقام بإحدى المنكرات واستمرَّ عليها مدة طويلة فسرعان ما يضجر منها ويبحث عن متعة أخرى؛ لذلك وُضِعت الضوابط للحد من الفواحش والمنكرات من الانتشار. 
والدليل على ذلك أن أكثر البشر -إن لم يكن كلهم- يخيم عليهم الحزن ليلا ويشعرون بأنَّ القلب قد انفطر وتمزَّق شرَّ ممزَّق؛ ذلك لأنَّ الإنسان في الليل يخلو بنفسه ويحاسبها دون أن يدرك ذلك، أو يستشعر أنَّه قد لا يرى شمس غدٍ؛ فتسود دنياه بوجهه، وتخيم عليه الظلمات؛ لأنَّه استشعر أنها قد تكون نهايته فأحس بالندم على ما فرط في نهاره، أو أنه حاسب نفسه بقصد أو بدون قصد فشعر بثقل كبير في قلبه، وهنا تعود إنسانيته التي فقدها.
من هنا نستنتج أنَّ السعادة ما هي إلا كلمة منمَّقة وخادعة ما لم يربطها الإيمان وحب الخير والعطاء؛ ومن ثَم فالحزن السرمدي سيبقى يخيم علينا ولن يزول إلا بعد أن ندرك جوهر هذه الحياة ونقترب من إنسانيتنا، ونعزل شهواتنا عنها، ونعيد للقلب نقاءه، ولن يعود للقلب نقاؤه إلا بعد أن نقترب أكثر من جوهرنا الداخلي ونستشعر سبب وجودنا على هذه الأرض ونعرف خالقنا حق  المعرفة، هنا نحصل على السعادة الحقيقة.
 
أ. نور نعساني  
 قسم اللغة العربية
0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA