المملكة في عصر التقنية والذكاء الاصطناعي

 

 

لقد كان للتقدم العلمي والتقني المذهل في عالم اليوم دور كبير في التأثير على ميادين الحياة المختلفة وتسهيل أساليب العمل واختصار الوقت وتطوير وسائل الإنتاج لرفع كفاية المُنْتَج وتحسين نوعيته، لذا بات معروفًا لدى الجميع أن عصرنا الحاضر عصر حافل بوسائل متطورة وطرائق مستجدة وتقنيات متعددة وقنوات متشعبة وإمكانات متاحة في مجالات المعرفة والعلوم والتعلم والتعليم والتقنية من حيث تنوعاتها المتعددة وتخصصاتها الدقيقة ومفاهيمها الشاملة في مجالات الذكاء الاصطناعي وتقنية المعلومات وبخاصة ما يتعلق بسلامة البيانات ونقلها وتبادلها وأمنيَّتها وسرِّيتها والتعامل معها والحفاظ عليها، ولذا فإن من المشاهد أن كثيرًا من الجهات الحكومية والهيئات المهنية والقطاعات الخاصة في مختلف دول العالم تحث على تطوير ودعم وانتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي وشبكاتها الذكية والتوسع في تبنيها وتطبيقاتها.

ولعل ما يأتي في مقدمتها هو ظهور وانتشار الحاسبات الآلية وبرمجياتها المتنوعة وأوعيتها التخزينية التي تعين الطالب والباحث والكاتب في إعداد البحث وتنسيقه وحفظه والرجوع إليه، هذا إلى جانب تنظيم الجداول وعمل الأشكال وكتابة المعادلات وتلوين الرسوم وتنويع الخطوط، كذلك انبعاث تقنيات البرمجيات الحديثة في وسائل الإيضاح والعرض المرئي المعروفة بالـ (بور بوينت) والتي أتاحت للطالب الجامعي والباحث العلمي والمسوِّق التجاري عرض أفكارهم وأبحاثهم ودراساتهم ومشاريعهم ومنتجاتهم بشكل جذاب ومركز ومقنع ومؤثر، ولعل أشهر التقنيات المستجدة في الوقت الحاضر على الإطلاق هو بزوغ عصر الشبكات العنكبوتية والمعروفة بالأنترنت، وقد أتاحت هذه التقنية الباهرة عوالم فسيحة وفضاءات عريضة ومجالات واسعة  للبحث والاطلاع والاستكشاف والتنقيب، ولقد أدركنا مدى أهميتها وحاجتنا إليها عندما ألمَّت جائحة وباء الكورونا في شهر مارس 2020 بدول العالم أجمع مما اضطرت معه الدول ومن ضمنها المملكة إلى حَجْرٍ كلي لشهور  متتالية تمت عمليات التعليم بجميع مراحله خلالها افتراضيًا (عن بُعْد) وفُرض بصورة الزامية ولا زال البعض من تلك المراحل على هذه الحال إلى الآن .

وإذا كان الكتاب يمثل منهلاً من مناهل العلم ومصدرًا من مصادر المعرفة يبحث عنه الطالب والباحث والمهتم ليجد فيه بغيته لكنه الآن قد بدأ يفقد وهجه وجاذبيته مع حلول الوسائل الحديثة التي استجدَّت في سهولة البحث والتنقيب ونقل المعلومات وخزنها وإعادة استخدامها، وإذا كنا في عصر السرعة مع الاهتمام بالوقت كمادة ثمينة نحرص على استغلالها والاستفادة منها والحفاظ عليها وعدم إضاعتها وإهدارها فيما لا ينفع ولا يجدي فقد أتـاحت وسائل الإنترنت هذه خيارات واسعة وطرائق مُيسَّرة في عمليات البحث والتنقيب والاستكشاف والعثور على المعلومات المطلوبة من مصادر متعددة ومراجع متباينة ومن ثم رصدها وتجميعها والإبقاء عليها لحين الرجوع إليها عند الحاجة لها. كما أن التقنية المعروفة بالبريد الإلكتروني أضحى لها الآن دور فاعل في تسهيل الاتصالات وإرسال واستقبال الملفات وتبادل المعلومات ونقل الوثائق والصور والمستندات. 

إن استيراد هذه التقنيات المتطورة من الدول الصناعية المتقدمة قد يكون أمرًا سهلا وميسورًا وبخاصة إذا توفرت الموارد الاقتصادية والبشرية في الدول المستوردة، بيد أن عملية الإستيراد قد تستقطع جزءًا كبيرًا من الموارد والإمكانيات المادية ولن تكون الحل الأمثل لتطويع التقنية والاستحواذ عليها وامتلاكها وتوطينها، بل إن الحل الأمثل يكمن في مدى الاستعداد والأخذ بزمام المبادرة في عملية النقل والتطويع والتوطين. ولكي تكون عملية التوطين والاستفادة من التقنيات الحديثة ومجالات الذكاء الاصطناعي ناجعة ومجدية فيجب أن تتم من خلال عملية منظمة للتنمية الذاتية التي ترتكز أساسًا على بناء الفرد وتأهيله وتوجيهه الوجهة الصحيحة، ثم تأتي بعد ذلك عملية الاختيار الواعي بين أنواع التقنيات المتباينة واكتساب وتوطين أفضلها والذي يلبي الاحتياجات الفعلية والأساسية للمجتمع. 

لقد رأت حكومتنا الرشيدة بنظرتها الواعية وفكرها الحصيف أن التعليم وإعداد الكوادر البشرية المؤهلة لضمان نجاح عملية تطويع وتوطين التقنية وبخاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي لهو المرتكز الأساس والقاعدة الصلبة التي تستند عليها كمطلب جوهري لتحريك وتنشيط العمليات التنموية المتسارعة التي تعيشها المملكة وتسير معها في مراحل تطورها وازدهارها في مجالات الصناعة والزراعة والصحة والاتصالات والمواصلات والتعليم.

 

أ.د. عبد الله محمد الشعلان

كلية الهندسة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA