ريادة الأعمال.. قاطرة التنمية الوطنية

 

 

الريادة لغة: الريادة مشتقة من الفعل (راد)، وراد الكلأ ويروده روداً ورياداً، وارتاده ارتياداً، أي بحث عنه وطلبه. واسم الفاعل منها (رائد) وهو الشخص الذي كان يسبق ويتقدم قومه لاستكشاف أماكن جديدة للكلأ ومساقط الأمطار (معجم لسان العرب).  ويعود أصل مصطلح الريادي (Entrepreneur) إلى الكلمة الفرنسية Entreprendre)) والتي تعني الشخص الذي يتحمل المخاطر (Risks) في ممارسة أي نشاط تجاري أو اقتصادي مربح. ولقد أصبح لهذه الكلمة مرادفات كثيرة في اللغة العربية منها: العصامي، المخاطر، صائد الفرص، الطموح، المبدع، المغامر، المبادر، متعهد الأعمال، رجل الأعمال، المقاول، المستثمر الصغير. وتعرف ريادة الأعمال (Entrepreneurship) في أشهر تعريفاتها، بحسب العالمين هيزريتش وبيترز في كتابهما الذي يحمل عنوان ريادة الأعمال (Hisrich & Peters,2002) بأنها: عملية يقوم بها بعض الأفراد لخلق شيء مختلف وذو قيمة، من خلال التضحية بالوقت والجهد وتحمل المخاطر المالية والنفسية والاجتماعية، للحصول على عوائد مالية، وتحقيق الرضا الشخصي. وفي أبسط تعريف لريادة الأعمال قدمه الشميمري والمبيريك في كتابهما الموسوم بريادة الأعمال (2011: 26) بأنها: القدرة على استحداث عمل حر يتسم بالإبداع، ويتصف بالمخاطرة. ورائد الأعمال يتسم بعدد من السمات والخصائص التي تميزه عن بقية أفراد المجتمع، لعل أهمها ما يلي: الرغبة في المخاطرة، النزوع للإبداع والابتكار، التمتع بالنشاط والحيوية والطاقة الذهنية، الحاجة للتحرر والاستقلالية الشخصية، رؤية الفرص الثمينة التي لا يراها الآخرون، المثابرة والإصرار والعناد والعدوانية أحياناً، الرغبة في الإنجاز والنجاح والتوجه بالنتائج، عدم الخوف من الغموض وحالات عدم التأكد، اتخاذ القرارات في الأوقات الصعبة، المبادرة، اعتبار الفشل محطة للتعلم، العقلانية وحسن استخدام الموارد، الحدس والحساسية للآخرين، عدم الرضا عن الوضع الراهن والرغبة في الثورة عليه وتغييره، اعتماد المال كمقياس للأداء، الوعي بالذات والثقة الكبيرة بالنفس، امتلاك المهارات الفنية والإدارية كمهارة التخطيط الاستراتيجي والتسويق والتسعير ودراسات الجدوى وتقييم المشاريع ونحو ذلك. وقد يسأل سائل: ما الفرق بين ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة؟ وهنا يمكن القول أن هناك فرق واضح بين المفهومين، ومن أبرز أجه الفرق بينهما ما يلي: اتسام ريادة الأعمال بخاصية المخاطرة المحسوبة، بينما تكاد تختفي هذه السمة في المنشآت والمشاريع الصغيرة والمتوسطة. وكذلك تتصف ريادة الأعمال بخاصية الإبداع والابتكار، وباستغلال الفرص والأفكار الإبداعية وتحويلها إلى منتجات مبتكرة قابلة للتسويق المحلي أو الدولي، بينما لا توجد مثل هذه السمة في المشاريع الصغيرة. والمشروع الريادي ينمو ويتوسع باستمرار ولا يتسم بالثبات، وبدون ذلك يندرج في عداد المشاريع والكيانات الصغيرة التي تظل طوال عمرها بنفس الحجم والعائد مثل: البقالة أو المخبز أو المقهى ونحو ذلك. وريادة الأعمال تولد ثروة ضخمة وأرباح كبيرة وبشكل مستمر؛ بينما المشاريع الصغيرة تهدف إلى توليد دخل مادي بسيط يكون أفضل للفرد فيما لو توظف لدى الآخرين كمؤسسات عامة أو خاصة. علاوة على ذلك، المشروع الريادي يعمل بمنهج إستراتيجي وأساليب إبداعية مختلفة؛ بينما المشروع الصغير أو المتوسط يدار بأساليب تقليدية لا تفضي به إلى حالة من العمل الإبداعي. وختماً لهذه الجزئية، يمكن القول إن ريادة الأعمال عملية ديناميكية مستمرة وواسعة، وهي ثقافة وفكر في أي مجتمع، وهي تسبق خلق المشاريع الصغيرة، وما المشروع الصغير إلا نتيجة أو مخرج من مخرجاتها، وليس بالضرورة أن يكون معادل موضوعي لها، وقد تظل تلك الثقافة حتى بعد فشل وفناء المشروع، فريادة الأعمال إن وجدت في أي مجتمع هي روح لا تموت حتى وإن ماتت المشاريع المستحدثة، حيث تظل تلك الروح تعمل وتحث الريادي على الاستمرارية والتجدد والتفكير والتخطيط واستكشاف الفرص، وتقييمها والحكم على جدواها، ثم التفكير بإنشاء المشروع جديد وإدارته برغم ما قد يتعرض له من مخاطر لتحويلها إلى منتج قابل للتسويق التجاري، وفي هذا السياق لابد أن نشير إلى معلومة مهمة، أكدتها العديد من الدراسات، وهي أن مشروع واحد فقط ينجح من عشرة مشاريع؛ بمعنى أن نسبة المخاطرة والفشل عالية جداً، ولكن مع ذلك تظل روح الريادة تحث الريادي على تكرار المحاولة حتى ينجح. بعبارة أخرى، يمكن القول أن ريادة الأعمال عملية تسبق تأسيس المشروع بعدة مراحل؛ فهي ثقافة يتشربها الفرد من طفولته عبر الأسرة والمدرسة والتدريب والإعلام والاحتكاك والتلمذة؛ وهي ليست مشروع يتأسس هنا أو هناك؛ بل هي المشتل الواسع والخصب الذي يترعرع فيه التجار الصغار ومؤسسو المشاريع الريادية المحتملة الذين سيصبحون في المستقبل تجار ومستثمرين كبار ورجال أعمال يمتلكون شركات كبيرة وربما عابرة للحدود القومية، تجوب العالم بحثاً عن فرص وموارد وأسوق وعملاء جدد، وبالتالي تجلب أموالاً طائلة للبلد وتنعش الاقتصاد الوطني. ومن الجدير ذكره أن ريادة الأعمال قد تأخذ عدة أشكال وصور، وليست حكراً على نوع أو عمر معين أو مجال أو نشاط بعينه، ومن ذلك على سبيل المثال، لا الحصر: ريادة المرأة، ريادة الشباب، ريادة المتقاعدين، ريادة المغتربين، الريادة الاجتماعية، الريادة التكنولوجية، الريادة المؤسسية وغيرها. والريادي قد يكون متعلم أو غير متعلم؛ مهندس، أو ممرض، أو مدرس، أو رجل بيع؛ موظف، أو متقاعد، خريج جامعة أو لا يزال في قاعات الدراسة، وقد يكون منحدراً من طبقة فقيرة أو طبقة غنية، وقد يكون من أبناء الريف أو المدينة. ولا شك أن لريادة الأعمال فوائد وعوائد، وأثر مباشر وغير مباشر في التنمية الوطنية، يمكن أن نشير إلى ذلك باقتضاب شديد، وعلى النحو التالي: إن أي مشروع ريادي جديد ينشأ يعد إضافة نوعية ورافد للاقتصادي الوطني والتنمية الوطنية المستدامة، كذلك تساهم في خلق الثروة بصورة تراكمية من خلال الأفراد الذين يمارسونها، كما أن ريادة الأعمال تخلق الوظائف وفرص العمل؛ مما يحد من توسع رقعة الفقر والبطالة والجريمة وغيرها من المشكلات الاجتماعية، وتساهم في إطلاق عجلة التنافس، مما يساعد على تحسين جودة الخدمات والسلع في المجتمع، وتنويع القاعدة الإنتاجية؛ كذلك تمكن من نقل وتوطين التكنولوجيا الحديثة من الدول المتقدمة، أو من خلال قيام الرياديين بابتكارات تكنولوجية جديدة يمكن تسويقها؛ كما تعمل على تجديد وتطوير المشاريع الاقتصادية، بإدخال التغييرات على الهياكل وأساليب وأنظمة الأداء والثقافة التنظيمية؛ بالإضافة إلى ذلك تساعد في إيجاد أسواق جديدة محلياً وعالمياً، وعملاء جدد وخلق عرض وطلب جديدين على المنتجات والخدمات؛ علاوة على ذلك تمنح صاحبها التحرر والاستقلال، والتوظف الذاتي، وتنشر ثقافة العمل الريادي والمهن الحرة في المجتمع؛ كذلك تحد من هجرة العقول والمواهب المبدعة من البلد، وتوفير مناخ محلي للإبداع والابتكار والبحث العلمي؛ وأخيراً، تعمل على تجسير الفجوة بين العلم والسوق، حيث أن رواد الأعمال يردمون تلك الهوة بخلق مشاريع ومنتجات جديدة.

 

د. عبد الملك طاهر المخلافي 

كلية إدارة الأعمال

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA