الذكاء الاصطناعي ... هل هو ضجيج!!؟

                     

يُحكى أن شخصين استوقفا سيارة فوقفت بعدهما بقليل فسأل أحدهما الآخر كيف عرف السائق أننا نريد أن نصل إلى هناك؟

بادئ ذي بدء تقنية الذكاء الاصطناعي ليست رفاهية ولا مجرد ضجيجاً؛ فقط يتطلب الأمر توجيه البوصلة وضبط الإيقاع، ولم ولن يحدث في يوم من الأيام إلى قيام الساعة أن الوظائف ستقل كما يروجون، وهذا إن حدث فهو بسبب إما انتكاسات مالية أصابت بعض المؤسسات بسبب جوائح  أو للجشع مع ضعف جودة المنتج وأسباب تسويقية، ولتظل العقول مستهلكة ورهينة للمستقبل.

فمهما طرأ على التقنية من تطور؛ سيظل الإنسان هو صانعها ومشغلها ومطورها، وستظل هي عامل مساعد يزداد مع الوقت قوة في قدراته ،ويساهم في رفع معدل الإنجاز والإبداع والابتكار البشري الذي لا يوجد سقف لطموحاته ومكاسبه، فلم نسمع مثلاً بعد إعلان شركات السيارات العالمية عن خلل في سيارتها عن ترحيل موظفين، وظهرت الآلة الحاسبة والجداول الإلكترونية ثم برامج الإكسل والأكسيس وقواعد البيانات ولم تختفى مهنة المحاسب، وكذلك لم تختفى المطابع بوجود برامج النشر وكذلك في مجالات الطب والهندسة، فقط اختفت أدوات وتطورت وسائل بديلة عنها، وما يعنينا في الشأن الأكاديمي والمؤسسي يجعلنا نطرح مجموعة من التساؤلات ما دورنا بعد ظهور مؤشرات للتحول التي يعيشها حالياً الذكاء الاصطناعي، فعلى سبيل المثال وليس الحصر كيف للطالب أن يتأكد من صحة الإجابات التي يحصل عليها من هذه التقنية؟ وكيف لعضو هيئة التدريس أن يعرف أن هذا بالفعل جهد وإبداع الطالب؟ كيف يمكن التأكد من مصداقية موضوع البحث وفرضياته ومراجعة مقترحات هذه التقنية على الباحثين؟

لماذا يعمل الموظف لوقت أطول ودون أن يكون راضياً عن تقديره ومكافأته مادام يمكن أن يعمل لساعات أقل مع تقديره ومكافأته نتيجة إنجازه القياسي وإبداعه في أساليب العمل وبالتالي تحقيق الرفاهية وجودة الحياة.

بالنسبة للعملية التعليمية قد يجيب البعض أن هناك برامج أو مواقع يمكنها الكشف عنها، والرد على ذلك أن تقنية الذكاء الاصطناعي تجاوزت هذا الأمر، والإشكالية الأكبر أنه إلى هذه اللحظة لا توجد أداة تقييم موضوعية لاستجابات هذه التقنية التي تكون على شكل خلطة متحيزة دائماً، ولا تستطيع أن تحدد مصداقيتها إلا تقريباً في حالة وحيدة لا يمكنني أن أؤكدها وهي أن يحدد المستقبِل (باحث، طالب،....) أي تطبيق أو تقنية تم استخدامها، وذلك للكشف عن طريقها عن مصداقية الاستجابات والعمل الذي تم إنتاجه.

لكي يتحول مفهوم الذكاء الاصطناعي من ضجيج إلى عمل فعلي قادرين على توظيفه بشكل نموذجي؛ يجب ترسيخ مفهوم أن القدرة على الإبداع والابتكار والإنجاز هي التي تحدد طرق استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي . فمن مزايا العرض الرفيع والاستفادة من هذه التقنية هو تقديم إجاباتك وأطروحاتك بأكثر ما يكون تشويقاً وتنويعاً وتوضيحاً، ومن أولى مستلزمات الإنتاج الأكاديمي والعرض الناجح أن تكون الصياغة الصحيحة للمداخلة هو أن نتجهز جيداً للتعامل مع هذه التقنية لتوجيه طلابنا وطالباتنا بشكل جيد، وستعيننا بالطبع في إرسال رسالتنا للمستقبلين، ولكنها لن تضمن لنا النجاح الذي ننتظره إن لم نمتلك المهارات اللازمة، غير ذلك سنشعر بالحرج بالتأكيد لوجود فجوة في مهارات التواصل؛ كمن لايزال يتبع الأساليب القديمة في عرض معلوماته وأطروحاته، وسننزعج حتماً عندما يُشبَّه هذا الأسلوب القديم بمن يمسك عصا التأشيرة وهي تغطى أو تحجب بعض الحقائق،  وقد تثور ثائرتنا حينما نكتشف أننا لم نكن مرئيين أو مسموعين للحضور، وضع الخطط والاستراتيجيات من الخبراء والمختصين بما يتناسب مع كل كلية وإدارة، إطلاق منصة للذكاء الاصطناعي ليتشارك كافة المنسوبين في وضع الرؤى والمقترحات وكذلك المجتمع بشكل عام، نشر ثقافة الذكاء الاصطناعي في مختلف التخصصات والتأكيد على المهنية وامتلاك المهارات اللازمة للمستقبل، التأكيد على مفاهيم البحث المقنن ومراجعة المصادر والمراجع مع مراعاة حقوق الملكية الفكرية، الاستخدام الإيجابي لتقنية الذكاء الاصطناعي للحصول على المعلومة بأوضح ما يمكن، وبأقل جهد وأقصر وقت ممكن، وبأقل تكلفة (إن أمكن ذلك، والأهم على الإطلاق هو التركيز على الجانب القيمي في حياتنا بشكل عام وللجامعة بشكل خاص عند استخدام هذه التقنية، ولتكن نقطة حوار في كل مقرر، وكل دورة وورشة عمل في الجامعة؛ لأن الموضوع يتعلق بالسمعة الاتصالية للأفراد والمؤسسات. فما لم يتم اكتشافه الآن بسبب ضعف الوسائل وبعض المهارات من ناحية والقصور الحالي في هذه التقنية من ناحية أخرى كالشفافية والنزاهة والتحيز والتقييم وغيره... سيتم اكتشافه بسهولة في المستقبل بعد ازدياد تطور التقنية واكتمال عملية تحولها، وستصبح المنتجات والمخرجات التعليمية والعلمية للمؤسسات والأفراد التي لم تستوثق من المعلومات التي حصلت عليها من خلال هذه التقنية مثل الشيء المستنسخ لا فروق بينها.

ممدوح عبد السميع إبراهيم

كلية علوم الرياضة والنشاط البدني

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA