وقل اعملوا ..!!

 

 

 

العمل من الأولويات التي اهتم الإسلام بها حيث عظَّم من شأن العمل وفضله والحث عليه والسعي له، لذا رسم ديننا الحنيف منهجًا متكاملاً للعمل يقود للكسب الحلال الذي يُؤمّن للإنسان حياة كريمة مثالية مستقيمة مستقرة. لهذا ورد الكثير من الآيات في القرآن الكريم للدلالة على الندب له والتحفيز إليه والحث عليه والترغيب فيه من حيث بذله وإنجازه وإتقانه على أحسن صورة وأكمل وجه، قال تبارك وتعالى في الحث على العمل: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ» ‎﴿التوبة: ١٠٥﴾‏، وفي السعي لطلب الرزق، قال تعالى: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ‎﴿الملك: ١٥﴾‏. 

ولأهمية العمل في الإسلام فقد جاءت الأدلة القرآنية والأحاديث النبوية بالحث على العمل الصالح مقترنًا بالإيمان، قال تعالى: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ» ‎﴿المائدة: ٩﴾‏، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا إيمان بلا عمل، ولا عمل بلا إيمان»، أخرجه الطبراني. كما أن العمل في مفهوم الإسلام نوعان: عمل للدنيا وعمل للآخرة، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا».

والإسلام لم يكتفِ بالدعوة إلى العمل، وبيان فضله فحسب بل حذَّر من البطالة والكسل والتواكل، ولذا جاء الإسلام بالآداب ومكارم الأخلاق من أجل تربية الناس بالتربية الإسلامية الخالصة وتحليهم بالأخلاق الفاضلة وحثهم على العمل ونبذ الكسل والتخاذل وسؤال الناس، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يأخذ أحدكم حبلاً فيأخذ حزمة من حطب فيكف الله به وجهه خير من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه»، رواه البخاري ومسلم. كما قال صلى الله عليه وسلم: «من سأل الناس أموالهم تكثرًا فإنما يسأل جمرًا فليستقل أو يستكثر» رواه مسلم. ومن أقبح الموارد المعيشية في الإسلام الاعتماد على جهد الآخرين والتسوُّل والاستجداء من غير ضرورة، ولذلك فضَّل الإسلام المعطي على الآخذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمَنْ تعول» أخرجه الإمام أحمد والطبراني. وعلى هذا فينبغي على الناس أنْ يقتنعوا بما قسم الله لهم من الرزق، فلا يكون حبُّ الترف وجمع المال سببًا مشروعًا في سؤال الناس لأنَّ الله تعالى قسَّم الأرزاق بين الناس، وفضَّل بعضهم على بعض في الأرزاق لحكمة يعلمها جل جلاله، فقال تعالى: «أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ» ‎﴿الزخرف: ٣٢﴾‏. إذن علينا أن نجدد من إيماننا وأن نسعى ونجد في السعي من أجل العمل الصالح ففي ذلك سعادتي الدنيا والآخرة فالإيمان هو ما وقر في القلب وصدَّقه العمل الصالح والله لا يقبل إلا ما كان طيباً وعملاً صالحاً قال تعالى: «إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ‎﴿فاطر: ١٠﴾‏

وحيث إن العمل هو الأساس في بناء الحياة البشرية ونموها وتطورها فقد أولى الإسلام عناية خااصة بحقوق العامل الذي يؤدي عمله بإتقان وإيمان وإخلاص إذ يقول عز من قائل: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ‎﴿النحل: ٩٧﴾‏، كذلك المقارنة بين من عمل عملا سيئًا وبين أخر عمل عملاً صالحًا يقول  الرب عز وجل: «مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ‎﴿غافر: ٤٠﴾‏.

ونختم هذه المقال بذكر حدثين بارزين وردا في قرآننا المجيد  لنستلهم منهما الجدية في العمل والحث عليه والندب له والسعي من أجل الوصول لشيء ما للحصول عليه، فأول هذين الحدثين هوعندما أمر الله عز وجل مريم عليها السلام بأن تهز بجذع النخلة من أجل الحصول على الرطب حيث يقول عز من قائل: «وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا» ﴿مريم: ٢٥﴾، فنجد بعد التأمل في هذه الآية الكريمة أنه بالرغم من ضعف مريم كأنثى بل وهي حامل في شهورها الأخيرة عليها أن تبذل جهداً في سبيل الحصول على الرطب الجني الذي هي في حاجة ماسة إليه لها ولحنينها، وأيضا لنتأمل في مضمون الآية الكريمة الثانية وهو قول الرب تبارك وتعالى لنبيه أيوب عليه السلام: «ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴿ص: ٤٢﴾، فبالرغم من مرض أيوب وضعفه ووهنه لكن عليه أن يضرب الأرض بقدمه وبقوة للوصول لماء الشرب البارد العذب الزلال الموعود به ومن ثم الحصول عليه.

 

الدكتور عبد الله محمد الشعلان

كلية الهندسة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA