سيرة إدارية ملهمة في اليوم العالمي للجودة

 

تم اعتماد اليوم العالمي للجودة في عام 1990 من قبل الأمم المتحدة بهدف رفع الوعي لدى المنشآت باختلاف مجالها لحثها على التنمية والاستدامة على النطاق العالمي، ويوافق هذا اليوم الخميس الثاني من شهر نوفمبر من كل عام، وتزامنا مع هذا اليوم اخترت أن أتجول بين أروقة الإدارة لأتعرف على أسرار وخبايا المدراء الناجحين من خلال سيرتهم الإدارية، استوقفني وميض ذكرى تركه أحد الراحلين عن عالمنا، إنه الراحل بجسده الحاضر بمواقفه وسيرته العطرة التي جسدت دروساً لا تمحى من ذاكرة الإدارة، حتى أصبح أيقونة الإدارة السعودية إنه الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- وأسكنه فسيح جناته.

إن من دواعي فخري أن أتناول قطرة من بحر في خبرة الراحل الإدارية، وكيف ارتبطت خبراته الفذة بمبادئ الجودة التي هي نواة التحسين والتطوير في الإدارة؛ ومبادئ الجودة باختلاف روادها تجتمع على 7 ركائز أساسية، ونستعرض أمثلة من تطبيقاتها في سيره د. غازي رحمه الله.

أولاً: من أبرز مبادئ الجودة هو التحسين المستمر

 فهو من أستاذ جامعي إلى مدير ووزير وسفير قدم الكثير من أجل الرقي والتحسين المستمر، وقد كان له الفضل في تحقيق مكتسبات ووضع منهجيات لتوفير الوظائف لأبناء الوطن.

كانت المؤسسة العامة للكهرباء قد أنارت ما يقارب ألفي قرية صغيرة، في تلك المرحلة، بعد ست سنوات من إنشاء الوزارة، يتحدث الدكتور غازي عن أهم ما تم في قطاع الكهرباء خلال فترته الوزارية: أنه عندما عُيين وجد مائة شركة ضعيفة هي، على ضعفها، أقوى من الوزارة، وعندما ترك الوزارة ترك أربع شركات قوية هي، على قوتها، خاضعة للرقابة الكاملة، ويذكر أن الإنجاز الذي تحقق ليس إنجاز فرد؛ بل كان إنجاز دولة.

ثانياً: التركيز على العميل

إن العميل هو الميزة التنافسية التي تؤثر على استراتيجية المنشأة، وسيرة الدكتور غازي القصيبي زخمة بمواقف على تقديم خدمات تنال رضا العملاء، وقد ضرب أروع الأمثلة أثناء عمله في وزارة الصحة، فقد كان يتنكر ويقوم بجولات تفتيشية على المستشفيات، ويستمع لشكوى المرضى، ويتخذ إجراءات حازمة في حق المقصرين. وقد كان شعاره ونصيحته للمدراء أن يختبروا الخدمة التي يقدمها جهازهم فهي تغني عن ألف تقرير.

ثالثاً: كفاءة الموارد والقدرات البشرية

إن الموارد البشرية هي البعد الاستراتيجي الذي يعوّل عليه نجاح المنشآت، وكان يؤمن -رحمه الله- بفتح المجال أمام الآخرين، وكان من أبرز المسؤولين في منح الأولوية للسعوديين في التوظيف، وقاد حملة لتشجيع الشباب للعمل وتدريب العمالة الوطنية، وقد شارك في تقديم الوجبات السريعة ليكون قدوة للشباب في الأعمال الكريمة.

رابعاً: روح الفريق والمشاركة

يعد العمل الجماعي من أهم الجوانب التي يجب التركيز عليها لتحقيق نجاح أهداف المنشأة في الحلول المثلى تأتي من التواصل والمشاركة بين المنسوبين والثقة في آرائهم.

عندما كان د. غازي وزيرا للكهرباء روى قصته: «كنت أثناء الانقطاعات الكبيرة (للكهرباء) في الرياض أتوجه إلى مقر الشركة، وأشارك موظفي السنترال تلقي الشكاوى الهاتفية، ذات ليلة اتصل مواطن غاضب، وقال وهو يصرخ: قل لوزيركم الشاعر أنه لو ترك شعره، واهتم بعمله لما انطفأت الرياض كلها”، قلت ببساطة:

شكرا وصلت الرسالة! قال: ماذا تعني؟ قلت: أنا الوزير. قال: احلف بالله! قلت: والله! كانت هناك لحظة صمت في الجانب الآخر قبل أن تهوي السماعة.

إن القصة درس يحتذى في مشاركة الموظفين أعمالهم والمغزى عميق، فهو يعمل بروح الفريق والمشاركة

خامساً: اتخاذ القرار بناء على الحقائق 

إن نجاح المنشأة يتوقف على فعالية نظام المعلومات والأدلة الدقيقة حيث لا تبني القرارات على التوقعات والآراء الشخصية وله -رحمه الله- كلمة مأثورة (على صانع القرار ألا يتخذ أي قرار إلا إذا اكتملت أمامه المعلومات).

سادساً: القيادة 

إنها العقل والقلب النابض للمنشأة وهي المقدرة على التأثير في الآخرين وتوجيه سلوكهم نحو تحقيق الأهداف المشتركة، وله -رحمه الله- مقولة مشهورة وهي أن الإداري الناجح هو الذي يستطيع تنظيم الأمور على نحو لا يستدعي وجوده، وكان ينصح باختيار المساعدين الأكفاء الأقوياء، وينبه بأن الاستعانة بعقول الرجال تستدعي الصبر والحكمة.

وله عبارة في القيادة تكتب بماء الذهب «إن رغبتي في إتقان ما أقوم به من عمل لم تعن قط رغبتي في التفوق على أي إنسان آخر وكنت، ولا أزال، أرى أن هذا العالم يتسع لكل الناجحين بالغاً ما بلغ عددهم، وأرى أن أي نجاح لا يتحقق إلا بفشل الآخرين هو في حقيقته هزيمة ترتدي ثياب النصر»

سابعاً: التخطيط الاستراتيجي

هو عملية تنظيمية يقوم بها ممثلو المنشأة من القيادات لرسم خارطة طريق للمشاريع والعمليات المطلوبة لتحقيق أهداف المنشأة وتحديد الكيفية التي يتم فيها قياس مستوى الأداء.

وكان -رحمه الله- يحرص على إيضاح الرؤية في أذهان المخططين، ومن مقولاته (بعض الإداريين يخطئون خطأ بيناً عندما يبدؤون التخطيط بجهاز لم يستكمل مقوماته التنظيمية).

وقد دون الدكتور غازي القصيبي عبارة لا تنسى حين قال (لن تتذكرني الناس كوزير أو سفير إن تذكروني فستكون هذه الذكرى غازي الشاعر والروائي).

 رحم الله الدكتور غازي القصيبي، فقد ترك إرثاً يحقق استدامة؛ فبين الجودة والإبداع امتد عطاؤه لأكثر من نصف قرن، وسيبقى حاضراً في كل محطة نجاح.

د. نوره عبيد العفيف

وكيل عمادة التطوير والجودة لشؤون التطوير

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA