المنهج بين تعدد تعريفاته واختلاف تنظيماته

 

يُعتبر المنهج ((Curriculum انه قلب العملية التعليمية وجوهرها، وهو بمثابة الروح في الجسد. وهو حياة المدرسة وبرنامجها، وهو الوسيلة التي تعتمد عليها أجهزة الدولة لبلوغ أهداف المجتمع. يتم تزويد الطلاب من خلال المنهج بجميع النشاطات والمعارف والإستراتيجيات التي تحقق ما ترغب المدرسة تحقيقه من أهداف تربوية طلبتها منها من وزارة التعليم. يتكون المنهج الدراسي من أهداف تعليمية، ومحتوى، وطرق تدريس، وتقويم، بالإضافة إلى ظاهرة المعلم، والمتعلم، والكتاب المدرسي. ويتم بناء المنهج على أسس فلسفية واجتماعية، وثقافية، ونفسية، ومعرفية. وتعددت تعريفاته واختلفت تنظيماته بدأً من المفهوم التقليدي الذي كان يعتبر المنهج انه أداة لنقل الخبرة بين الأجيال، ومروراً بالمفهوم الحديث الذي ينظر إليه كحياة للطلاب توجه وتشرف عليه المدرسة في داخلها وخارجها على حد سواء، وحتى بروز الحاجة لتعريف معاصر يتلاءم مع التربية والمتغيرات الحديثة.

فالمنهج في اللغة مشتق من النهج، وهو الطريق الواضح، والوسيلة المحددة التي توصل إلى غاية معينة. يقول الله سبحانه وتعالى (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً). والمنهج بهذا المعنى يعني انه وسيله محددة ومنظمة تساعد في الوصول إلى أهداف او غايات مرغوبة. كان يُنظر إلى المنهج في المدرسة التقليدية بمفهوم ضيق. حيث نظرُ إليه بأنه «مجموعة من المقررات الدراسية المقررة على صف من الصفوف الدراسية او مرحلة دراسية معينة». ومن سلبيات هذا التعريف اقتصار المنهج على الناحية العقلية وتزويد المتعلم بأكبر قدر ممكن من المعلومات، وتركيزه على التلقين فقط، ونقل الخبرة من جيل إلى جيل اخر، قابله اهمال جوانب التفكير، والابتكار، والتأمل، وتوجيه السلوك، وضعف التركيز على النشاط العملي: مما نتج عنه انعزال المدرسة عن المجتمع بسبب تقييد النمو المهني للمعلم من خلال استخدام طريقة التلقين والحفظ في تنفيذ المقررات. ومن تنظيماته التقليدية: منهج المواد الدراسية المنفصلة، والمترابطة، والمندمجة، والواسعة، والنشاط، والوحدات، والمحوري. وفي المقابل يُعرف المنهج بمفهومه الحديث الواسع بأنه «مجموعة من الخبرات التربوية والثقافية والاجتماعية والرياضية والفنية التي تهيئها المدرسة لطلابها من داخل وخارج المدرسة بقصد مساعدتهم على النمو الشامل في جميع النواحي وتعديل السلوك وفقاً لأهدافها». وهو بهذا المفهوم يكون قادراً على ترجمة الأهداف التعليمية إلى مواقف، واحتوائه على نشاط الطلاب وخبراتهم. وبالتالي يتأثر المنهج ويؤثر بحياة الطلاب والبيئة المحلية، والمعلم، والثقافة، والمجتمع. ومن تنظيماته الحديثة: المنهج التكاملي، والخفي، والتكنلوجي، والعالمي، والبيئي. يرى البعض في الادبيات الاجنبية ان المنهج هو «نشاطات تعليمية وتفاعل الطلاب معها». ويعتبره بوشامب Beauchamp وفق لنظرية النظم بانه «نشاطات تعليمية مقصودة في مواقف مقصودة تتضمن مشكلات واشخاص او احداث: وهي عملية تأثير وتأثر ينتج عنها تعديل سلوك المتعلم». ويعرفه اتباع تايلرTaylor بانه «مخرجات التعلم». كما يراه البعض في تلك الادبيات انه «الخطة التعليمية التي تركز على تحقيق الأهداف العامة وتشمل التقويم، والتعلم، وتقريب الفجوة بين الغايات والوسائل للحد الأدنى». ويراه البعض ايضاً أنه «أهداف ومحتوى ومعايير لإعداد الطلبة»، وانه ايضاً «وسائل وغايات».

ولعل التعريف الشامل للمنهج هو ما ذكره الدمرداش بأنه «»جميع ما تقدمه المدرسة لطلابها من داخل وخارج المدرسة من اجل تحقيق الأهداف التعليمية التي طلبها منها المجتمع». وفي ظل ضبط ومحدودية صلاحيات المدارس وبروز مفاهيم العولمة، واقتصاد المعرفة، والتنمية المستدامة، وتأثيرها في المنهج الحديث: فإنه يمكن صياغة تعريف أكثر حداثة للمنهج ومع ما يتناسب مع مفهوم المناهج التعليمية الوطنية المبنية على المعايير في الوقت الحاضر التي انتهجتها بعض النظم التعليمية المتقدمة في العالم ومن بينها المناهج التعليمية في المملكة العربية السعودية. يمكن صياغة هذا التعريف للمنهج بأنه (المعارف والنشاطات والممارسات والتفاعلات التي تنقل وتحدث بين عناصر المنهج وظواهره وفق للمعايير الوطنية والتربوية داخل المدرسة وخارجها من أجل مواءمة مخرجات التعلم مع اهداف الرؤية الوطنية). ويمكن استحداث بعض التنظيمات المرافقة لهذا التعريف ومنها: المنهج الذكي، والعلمي، والرقمي، والذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence، والمهاري، والقيم، والوطني، والرياضي، واللغوي، والمستقبلي، والاقتصادي، والصحي، والاجتماعي، والعالمي، والأمني.   

محمد حسن البحيري

باحث دكتوراة في المناهج وطرق التدريس

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA