نظام العقود كسياسة جديدة للتوظيف في القطاع العام (2ـ2)

 

...ثانياً: النظام المفتوح (نظام التعاقد): من خصائص هذا النظام أن الجهاز الإداري للدولة يعد كباقي الكيانات والشركات الصناعية والتجارية والزراعية في المجتمع، يستقطب العاملين ويشغلهم مثل تلك الشركات، ولا يعد مهيمناً أو أكبر موظف في البلد. وفي النظام المفتوح تتعامل مؤسسات القطاع العام والخاص بطريقة متشابهة مع الأفراد، وينظر الأفراد طالبو العمل للقطاعين كسوق عمل واحدة تتلاشى فيها الفروق تقريباً. وتستقطب الأجهزة الإدارية الحكومية الأفراد وتشغلهم بموجب عقود ولمدد محددة مثلها مثل الشركات ومنظمات القطاع الخاص، وينظم العقد العلاقة بين الجهة الحكومية والعامل. كذلك في إطار النظام المفتوح لا توجد علاقة دائمة وحياة وظيفية ثابتة وأمان وظيفي راسخ، ولا يلتزم الجهاز الحكومي بترقية الموظف أو ترفيعه وفقاً لمعيار الأقدمية كما في النظام المغلق. ويستطيع الموظف ترك العمل في أي وقت بعد إشعار الجهة الموظفة له، وهي الأخرى يمكنها الاستغناء عنه بعد إشعاره بذلك. وفي هذا النظام يظل بقاء الموظف في وظيفته مشروطاً بانضباطه وكفاءته وتميزه وحسن سلوكه الأخلاقي. والموظف في ظل هذا النظام، يركض وراء الجهة التي تقدم راتب ومزايا أفضل، سواء كانت عامة أو خاصة. وفي النظام المفتوح قد لا تكون هناك حاجة لإقرار نظام خاص لموظفي الدولة يختلف عن ما هو جاري في المنظمات والمؤسسات الأخرى في سوق العمل، حيث لا فرق كبير في وضع العامل في الوظيفة العامة والوظيفة في القطاع الخاص. ومن مزايا النظام المفتوح ما يلي: البساطة (اللوائح قليلة وغير متشعبة مقارنة بالنظام المغلق). والمرونة (يتيح للجهة الحكومية التوظيف والاستغناء متى شاءت، وفي أي وقت، وفق ظروفها واحتياجاتها التنظيمية والمالية)، ومن ناحية اقتصادية فهو قليل التكاليف المالية، وعالي الإنتاجية؛ لأن الاستقطاب والتوظيف يكون حسب الحاجة، ويكون فقط للأفراد الأكفاء والمبدعين الذين يمكن أن يقدموا مساهمات ممتازة وقيمة مضافة للمنظمة، كما أنه يتسم باللامركزية (تتعدد فيه نظم العمل والتشغيل، مما يخلص الجهات من مشكلات المركزية)، كذلك يعد النظام المفتوح نظاماً منفتحاً على كافة القطاعات (يتحرك الفرد بين المنظمات المختلفة في القطاع العام والقطاع الخاص بحثاً عن أفضل العروض والمزايا، ويوفر أجواء مناسبة للتنافس وإطلاق المواهب والقدرات، وعدم إساءة استخدام السلطة الوظيفية من قبل الموظف (لأن وضع الموظف متعاقد وغير دائم في الوظيفة، وبالتالي فهو تحت رحمة رب العمل، مما يجعله حذراً من الوقوع في مخالفة أو فساد يبرر الاستغناء عنه). ولكن من عيوب النظام المفتوح ما يلي: أنه نظام لا يصلح إلا للمجتمعات الصناعية والرأسمالية التي تمتلك نظام خاص واسع وقوي ونشط يوفر فرص عمل متعددة وخيارات عديدة للأفراد للاختيار والتنقل بين القطاع العام والخاص وعلى مستوى كل قطاع على حدة. كما أنه نظام مادي، استغلالي، مقلق للعامل (غياب الأمان الوظيفي)، ويجعله دائماً ضعيفاً أمام المنظمة سواء كانت عامة أو خاصة. إضافة إلى ذلك، يتطلب وجود نظام تعليمي وتدريبي متطور ومتنوع البرامج الأكاديمية والمسارات والتخصصات العلمية لتزويد منظمات الأعمال بحاجتها من الكوادر البشرية المطلوبة. علاوة على ذلك، يتسم هذا النظام بحالة شديدة من دوران العمل والتغيير المستمر في القوى العاملة (خروج ودخول إلى المنظمة: حالات استقالة، فصل، استغناء، تعيين جديد....الخ)؛ مما يفقد ثقة الجمهور بالمنظمة وقيادتها.

ختاماً، لابد من الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية، قد تبنت رؤية وطنية طموحة (2030) للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، تسعى من خلالها إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية منها الوصول إلى (حكومة فاعلة) وفق المؤشرات الدولية، وهذا لن يتأتى إلا من خلال نظام خدمة مدنية حديث وعلى درجة عالية من التأهيل والتدريب والاحترافية والتميز والنزاهة والانضباط، وذلك لن يتحقق إلا بمغادرة نظام الخدمة المدنية المغلق الذي أدى دوره في مراحل معينة من تاريخ التنمية الوطنية الشاملة، ولكنه أصبح غير مناسب في العصر الحالي. لذلك اتجهت حكومة المملكة إلى تبني النظام المفتوح في الوظيفة العامة، والذي يقوم على أساس العلاقة التعاقدية بين الموظف والجهاز الإداري للدولة، وذلك بهدف ترشيد النفقات، والحد من ظاهرة التضخم والتكدس والبطالة المقنعة، ومكافحة مظاهر السلبية والتقاعس الوظيفي، واستقطاب أفضل المخرجات والكوادر البشرية، وإذكاء روح التنافس بين الأفراد بغية الحصول على أعلى مستويات الأداء والإنتاجية والتميز. ومما يجدر ذكره أن التجربة الجديدة (نظام العقود) لا تزال في بداية عهدها، ولم تتضح ملامحها بعد بما فيه الكفاية، ولا توجد أي دراسات تقويمية حتى اللحظة؛ للتعرف على ما يواكبها من فرص وما يواجهها من تحديات مختلفة، ولكن في المستقبل القريب، نتوقع أن تتضح الصورة بجلاء لكافة الأطراف ذات العلاقة. والله من وراء القصد.

د. عبد الملك المخلافي

كلية إدارة الأعمال

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA