التجربة السعودية في الكفايات التعليمية

 

اسـتثمرت العديد من الـدول ومـن بينهـا المملكـة العربيـة السـعودية فـي التعلـيم ورأت انه الاستثمار الأكثر أهمية نحو التقدم والتنمية المستدامة. ويشهد التعليم في المملكة تطوراً مستمراً، وأُنشئت العديـد مـن الجامعـات والكليـات والمدارس. ويعتبر المعلم انه الركيزة الأساسية في هذا النظام التعليمي وأحد ظواهره المهمة. فهو العنصر المكلف بتحقيق الأهداف التعليمية للوزارة والمجتمع من خلال استخدام طرق التدريس المختلفة والاستراتيجيات المتنوعة في معالجته للمنهج الدراسي. وكان لزاماً تطوير كفايات ذلك المعلم ليتمكن من تحقيق تلك الأهداف ومواكبة نظرائه في العالم. والكفايات التعليمية هي معـارف ومهـارات واتجاهـات يمتلكهـا المعلـم تساعده في تقديم أداء يؤثر في المتعلمين. ومر تاريخ تطوير الكفايات التعليمية للمعلم السعودي بالعديد من المراحل والتطورات عبر العقود الماضية بدأ مع إنشا وزارة المعارف عام 1373هـ وحتى وزارة التعليم في وقتنا الحاضر.

    بدأت الوزارة فـي أنشـاء معاهـد المعلمـين عـام1373هــ حتـى عـام 1387هــ وكان يحصل خريجوها علـى شـهادة (كفـاءة معاهـد المعلمـين الابتدائية) ثـم تطـورت إلـى (معاهـد إعـداد المعلمـين) وشمل منهجهـا تطـوير الكفايـات التدريسـية، وتعريف المعلمين بصفات المعلم الناجح وسلوكه والمعارف التي يجب ان يعرفها في مهنته. ثـم أُنشـت مراكـز العلـوم والرياضـيات للمعلمـين عـام 1394هـ وتمنح الدبلوم، ومـدتها ثلاث سنوات بعد الثانوية، تشمل تدريس كفاءة التدريس في العلوم والرياضيات. وفي عام 1396هـ أُنشئت الكليات المتوسطة من اجل رفـع كفايات المعلمـين بجانـب معاهد المعلمات المتوسطة. ثم أُنشئت كليات المعلمين للمرحلـة الابتدائية ومـنح درجـة البكـالوريوس للمعلمـين المؤهلين تربوياُ واكاديميـا، وتـم اعتمادهـا عـام 1407هــ كمؤسسة تربويـة تهـتم بكفايـات المعلمـين قبـل واثناء الخدمة. وفي أعوام 1411هـ إلى 1415هـ بدأ تطوير الكليات المتوسطة لتصبح كليات تربية. وكانت جامعة الملك سعود الرائدة في تطوير الدراسة بكلية التربية عام 1416هـ. وفي عام 1428هـ تم ضم كليات المعلمين وكليات التربية إلى الجامعات السعودية بقرار وزاري.

     يعتمد تأهيل المعلم في المملكة للوصول للكفايـات التعليميـة علـى عـدد مـن العوامـل المؤثرة هي: الدين الإسلامي والعوامل الجغرافية والاقتصادية والسكانية واللغة العربية وخطط التنمية الشاملة وآخرها رؤية المملكة (2030). حيث كــان تخــريج المعلمــين الســعوديين مــن ذوي الكفايــة العلميــة والتربويــة والمهنية من الجامعات وفي مدة لا تقل عن أربع سـنوات. وكـان هنـاك نظامان متبعان هما: النظـام التتـابعي، وهـو التحـاق المعلـم ببرنـامج الـدبلوم التربـوي بعـد برنـامج البكــالوريوس لمــدة عــام او عــامين، وفيه يــزود بالكفايات التعليمية قبل تقدمه للعمل التعليمي او حتى أثنائه، والنظام التكاملي: وفيه يدرس الطالب أربع سنوات مقررات تربوية وتخصصية قبل الحصول على البكالوريوس. وحددت الوزارة في عام 1428 هــ ضـوابط تكليـف شاغلي الوظائف التعليمية والمتضمنة عدد من الكفايات الشخصية والعلمية والتربوية.

     ويعتبر عام (1430هـ) هو البداية الفعلية للكفايات التعليمية في المملكة حيث كان يخضع الطلاب بعد تخرجهم مـن الجامعـات لأداء (اختبار كفايـات المعلمـين)، حرصاً على التحاق الكفاءات المؤهلة بمهنة التعليم، إلا ان النتائج أظهرت قلة اجتياز المتقدمين لهذه الاختبار، واظهرت الضعف في برامج الإعداد التربوي فـي الجامعـات السـعودية سـواء فـي مراحل البكالوريوس او الدبلوم التربوي مما أدى إلى ضعف جودة التعليم. وهذا ما أكدته مؤشرات وزارة التعليم عام 1437هـ، حيث كـان متوسـط درجـات المختبرين 43 % فـي الجـزء التربـوي و37 %فـي الجـزء التخصصي، بينما يشترط الاجتياز تحقيق 50 % في الجزئين.

      وبعــد نتــائج اختبــارات (كفايــات المعلمــين) أعلنــت وزارة التعلــيم عــام 2020م إتباع سياسة فاعلة لانتقاء المعلمين وتعليمهم، ايماناً منها بان المعلـم حجـز الزاويـة فــي إصلاح التعلــيم. تم اتخاذ مجموعة من الخطوات المهمة منها: إيقاف برامج اعداد المعلم التربوية في الجامعات السعودية عام 1439/1440هــ، والبدء بتطويرها، وصدور لائحة الوظائف التعليمية الجديدة عـام 2020م، واعتمـاد اختبـار الرخصـة المهنية لشاغلي الوظائف التعليمية بدلاً من اختبار كفايات المعلمين، وإطلاق مشروع الاستثمار الأمثل للكوادر التعليمية عام 1443هـ. وسبق ذلك اصدار تنظـيم هيئـة تقـويم التعلـيم والتـدريب عـام1440هــ ومهمتهـا التقـويم والقياس ووضع المعايير في بناء المناهج واختيار المعلمين. بالإضافة إلى إطلاق برنامج التعليم المعتمد على الكفايات بالتعاون مع جامعة ملبورن الأسترالية عام 2018م الذي هدف إلى تنمية قدرات المعلمين السعوديين سعياً لتحقيق اهداف رؤية المملكة (2030). تزامن ذلك مع إطلاق الوزارة ايضاً لبرنامج التطوير المهني النوعي للمعلمين (خبرات) لابتعاثهم خارج المملكة ومعايشتهم لتجارب الدول المتقدمة في التعليم.

    وفي ظل مرتكزات معايير مناهج التعليم العام في المملكة 1444هـ المتمثلة في تعزيـز الهويـة الوطنيـة، والتوجهـات الوطنيـة، والتوجهـات التربويـة، واستشـراف المسـتقبل فـي ضـوء مسـتهدفات رؤيـة المملكـة (2030) والبرامـج المنبثقـة عنهـا: فقد تم بنــى معاييــر المعلميــن المهنيــة بمــا يضمــن قدرتهــم علـى تطبيـق معاييـر المناهـج، وتمكنهـم مـن المعـارف والمهـارات والقيـم المسـتهدفة.

محمد حسن البحيري

باحث دكتوراة في المناهج وطرق التدريس

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA