التقمّص الوجداني في الاتصال الإنساني

 

بعد اطلاعي كتاب نظريات الاتصال الجماهيري لمؤلفيه: د. فلاح بن عامر الدهمشي ود. عادل بن عبدالقادر المكينزي وأ. عبدالله بن سلطان الأحمد، استفدت من أحد مواضيع الكتاب في نظرية التقمص الوجداني النظريات الاجتماعية التي تدلي إلى الاتصال والإعلام من جانب، باعتباره أحد فروع علم الاجتماع، فنظريات الاجتماع المستخدمة في الإعلام كثيرة، ومنها نظرية التقمص الوجداني، التي تتفرع إلى نظرية الاستنتاج في التقمص الوجداني ونظرية أخذ الأدوار في التقمّص الوجداني.

والتقمص الوجداني يعتبر جزءاً لا يتجزأ من الاتصال، حيث تتفق نظريات التقمص الوجداني بأن المادة الأساسية للتوقعات هي السلوك المادي الذي يقوم به الإنسان، وأن تنبؤات الإنسان عن الحالات السيكولوجية الداخلية عنده تقوم على السلوك المادي الذي يمكن ملاحظته، كما تتفق هذه النظريات على أن الإنسان يكّون تلك التنبؤات باستخدام رموز تشير إلى ذلك السلوك المادي والتأثير على تلك الرموز، وأهمها نظرية الاستنتاج في التقمص الوجداني ونظرية أخذ الأدوار في التقمص الوجداني.

ففي الاستنتاج يلاحظ الإنساني سلوكه المادي مباشرة، ويربط سلوكه رمزيا بحالته السيكولوجية الداخلية، أي بمشاعره وعواطفه وأحاسيسه، ومن خلال هذه العملية يصلح لسلوكه الإنساني معنى (تفسير)، وبذلك يطور الفرد مفهومه عن ذاته بنفسه على أساس ملاحظاته وتفسيراته لسلوكه. وبنفس المفهوم يتصل الفرد بالآخرين، ويلاحظ سلوكهم المادي، ويقدم تفسيرات سلوكياتهم بحسب ما لديه هو وبناء على تفسيراته لسلوكه الخاص، ويخرج باستنتاجات عن حالة الآخرين السيكولوجية.

وأما في أخذ الأدوار، فلنفترض أن معلومات الإنسان عن نفسه تأتي بالدرجة الأولى من خلال تكوينه مفهوما معينا عن ذاته قبل أن يتصل بالآخرين، فإذا كانت النتائج غير مناسبة وغير متوقعة، فإننا نحرف سلوك الآخرين المشابه لنجعله يتوافق مع توقعاتنا، أو نعيد النظر في تصوراتنا الذهنية عن أنفسنا، ونعيد تعريف ذواتنا بصورة مختلفة مرة أخرى وهو ما يسمى أخذ الأدوار بناء على توقعات لم تتم.

وتظهر نظرية التقمص الوجداني في الاتصال الشخصي وما محاولة توقع سلوك شخصيات مؤثرة وتقليدها إلا شكل من أشكال التقمص الوجداني، ولهذا التقمص دور في تقدم الإنسانية وتحضرها وانتقال الخبرات بين أفرادها، وهذا المعنى الذي يؤكد ليرنر D. Lerner حيث لوسائل الإعلام دور كبير في نشر الأفكار والآراء والخبرات الجديدة بين الجماهير، وخاصة في المجتمعات النامية. فقد أشار في دراسة ميدانية أجراها على ست دول من دول الشرق الأوسط، وعززها بمعلومات مماثلة حصل عليها من 54 دولة أكثرها من دول العالم النامي، إن انتشار وسائل الإعلام -بعد ارتفاع نسبة التعليم- يؤدي بدوره إلى زيادة درجة التحضر وانتشار الثقافة العصرية التي تساهم في خلق الشخصية الديناميكية التي تمثل العنصر الأساسي في التطور الاجتماعي، وبناء عليه استنتج ليرنر D. Lerner نظرية التقمص الوجداني التي تؤكد على: (أن تأثير وسائل الإعلام على الإنسان يبرز بصورة واضحة في تصوره لدوره وأدوار الآخرين في المجتمع، وأن هذا التصور يأتي كنتاج لعملية التقمص الوجداني الذي ينشأ عند الفرد، ويمكّنه من إدراك معنى وأهمية التطور والتحضر. ويضيف إن التطور أو التحضر Modernization اتجاه دنيوي وعقلي يزيد من مساهمة الأفراد للانتقال من طريقة الحياة التقليدية إلى حياة جديدة تزداد فيها تفاعلهم ومساهماتهم).

وقد أفادت هذه النظرية كثيرا في كيفية الاستفادة من وسائل الإعلام في توجيه البرامج بالصورة التي تحقق الفائدة المرجوة منها، وخاصة في المجال الاجتماعي الذي يستحوذ على اهتمام كل الناس على اختلاف مستوياتهم التعليمية، والثقافية، والاجتماعية، وغيرها. وبالتالي ضرورة العمل على تغيير السلوكيات المعرقلة لمفاهيم التنمية وخاصة تجاه القضايا والمشكلات التي يستهدفها المجتمع بالتغيير من خلال النظريات المماثلة.

أ.حسام بن صالح التيسان

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA